الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إذَا أَصَابَهُ هَمٌّ ، أَوْ حَزَنٌ : اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِي حُكْمُك عَدْلٌ فِي قَضَاؤُك ، أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْت بِهِ نَفْسَك ، أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَو اسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هؤلاء الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ : أَجَلْ ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ. رواه ابن أبي شيبة: مصنف (10/ 253) وسنده صحيح.
قوله: ((اللَّهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك)): يعترف العبد أنه مخلوق للَّه تعالى، هو وآباؤه وأمهاته، ولا غنى للإنسان عن ربه، ويؤكد ذلك بقوله: (ابن عبدك ابن أمتك).
قوله: (ناصيتي بيدك): (أي مقدمة الرأس بيد اللَّه تعالى، أي هو ملك لله.
قوله: (ماض فيَّ حكمك): فما قدره الله علي كائن لا راد له
قوله: (عدلٌ فيَّ قضاؤك): فما قضيته على من صحة أو مرض أو غنى أو فقر فهو عدل لا جور فيه
قوله: (أسألك بكل اسم هو لك): أتوسّل إليك بكل اسم من أسمائك الحسنى، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾.
قوله: (سمَّيت به نفسك): أي اخترته لنفسك مما يليق بكمالك.
قوله: (أو أنزلته في كتابك): في أي كتاب من كتبك المنزلة على رسلك.
قوله: (أو علمته أحداً من خلقك): من الأنبياء والملائكة
((أو استأثرت به في علم الغيب عندك)): أي خصصت به نفسك في علم الغيب، فلم تطلع عليه أحدا، وهذا يدلّ على أن أسماءه تعالى الحسنى غير محصورة في عدد معين
قوله: (أن تجعل القرآن ربيع قلبي): أي: فرح قلبي، وسروره.
قوله: (ونور صدري): أي تشرق في قلبي بأنوار المعرفة، فأميّز الحق والباطل.
قوله: (وجلاء حزني، وذهاب همّي): تكشف حزني وهمّي؛ لأن القرآن شفاء، فالقرآن، كاشف للحزن، ومُذهب للهمّ
والهمُّ: المكروه ويكون لما في المستقبل.
والحزن: المكروه ويكون على أمر مضى.
وأما معنى الدعاء المأثور فعن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقُولُ، عِنْدَ الْكَرْبِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، رَبُّ السَّموَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. رواه البخاري
المفردات:
العظيم: اسم يدلّ على عظمة الذات، والصفات لله جلَّ وعلا،
الكريم: اسم يدل على سعة خيراته وفضائل كرائمه.
الحليم: اسم يدل على الصفح والأناة.
العرش: هو سرير الملك وهو أعظم المخلوقات، فوق جميع العباد استوى عليه تعالى استواء يليق بجلاله وعظمته، [فاستواؤه على العرش معلوم، والإيمان به واجب، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة].
وهذا دعاء الكرب فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله عند كربه وشدته. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة