الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

اليوم : الخميس 19 شوَّال 1446 هـ – 17 أبريل 2025م
ابحث في الموقع

{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فمعنى قول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} وفيه تأويلان:

أحدهما: إكمال عدة الأداء لمن أفطر في سفره أو مرضه.

الثاني: عدة الهلال تكون تسعًا وعشرين أو ثلاثين، فعن جَبَلَة بْن سُحَيْمٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «‌الشَّهْرُ ‌هَكَذَا ‌وَهَكَذَا ‌وَهَكَذَا، يَعْنِي: ثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. يَعْنِي: تِسْعًا وَعِشْرِينَ، يَقُولُ مَرَّةً ثَلَاثِينَ وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ». [رواه البخاري (7/ 53) رقم 5302].

وسواء أجاء الشهر تسعًا وعشرين أم ثلاثين فلا ينقص الأجر في هذا الشهر بل هو كامل، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌شَهْرَا ‌عِيدٍ ‌لَا ‌يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ، وَذُو الْحِجَّةِ». [رواه مسلم (3/ 127 رقم 1089].

فلا ينقصان عن تسع وعشرين يومًا، ولا ينقصان في الأجر والثواب، سواء اكتمل الشهر أم نقص.

ولمَّا ذكر اللهُ تعالى أحكامَ الصيام أمر عبادَه أن يكبِّروه إذا أكملوا الشهر وأتموا الصيامَ شُكرًا لله على ما يسَّر من الصيام والقيام وسائر الطاعات، كما أمرهم بذلك إذا قَضَوا مناسك الحج، قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 198 - 200].

وكما أمرهم في الهَدْي، قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [الحج:36].

التكبير في العيدين شعار الفرح والسرور.

فالتكبير فيه الفرح والتقرب إلى الله تعالى، في استشعار نعمة إكمال الصيام، وهو دأب الصالحين، فعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: «‌كَانُوا ‌فِي ‌التَّكْبِيرِ ‌فِي ‌الْفِطْرِ أَشَدَّ مِنْهُمْ فِي الْأَضْحَى» [رواه الدارقطني بسند صحيح (2/ 380) رقم 1713].

وعن عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «‌كَانَ ‌يُكَبِّرُ ‌يَوْمَ ‌الْفِطْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى» [رواه الدارقطني بسند مختلف فيه (2/ 380) رقم 1714].

وعنه رضي الله عنه، «أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَدَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ ‌يَجْهَرُ ‌بِالتَّكْبِيرِ ‌حَتَّى ‌يَأْتِيَ الْمُصَلَّى ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ» [رواه الدارقطني بسند مختلف فيه (2/ 381) رقم 1716].

صيغة التكبير.

وللتكبير صيغ كثيرة منها:

·      الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثلاثًا.

·      الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.

·      الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا.

معنى الشكر وأنواعه.

أولًا- معنى الشكر

قال الرازي: (‌الشُّكْرُ) ‌الثَّنَاءُ ‌عَلَى ‌الْمُحْسِنِ ‌بِمَا ‌أَوْلَاكَهُ ‌مِنَ الْمَعْرُوفِ. [مختار الصحاح (ص167)].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌لَا ‌يَشْكُرُ ‌اللهَ ‌مَنْ ‌لَا ‌يَشْكُرُ النَّاسَ.» [رواه أبو داود بسند صحيح (4/ 403) رقم 4811].

ثانيًا- أنواع الشكر

الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح:

1-  الشكر بالقلب، وهو اعتقادٌ ومحبةٌ وخضوعٌ لله تعالى.

2-   الشكر باللسان، وهو اعتراف بالنعم والتحدث بها، قال الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11].

3-   الشكر بالجوارح، وهو أن يطيع الله ولا يعصيه، وأن يؤدي حقوقه، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الأحقاف: 15].

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ»، فَقَالَ: 'أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: ‌اللَّهُمَّ ‌أَعِنِّي ‌عَلَى ‌ذِكْرِكَ، ‌وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ'، [رواه أبو داود بسند صحيح (2/ 86) رقم 1522].

ابتداء التكبير وانتهاؤه.

أولًا- عيد الفطر: يبدأ التكبير في عيد الفطر من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وينتهي عند خروج الإمام للصلاة.

ثانيًا- عيد الأضحى: يبدأ التكبير في عيد الأضحى من فجر يوم عرفة وينتهي آخر أيام التشريق الثلاثة.

وهكذا أيها الإخوة والأخوات، فإن شهر رمضان كله رحمة ومغفرة وعتق من النار، ويبقى المسلم مرتبطًا بالعبادة حتى بعد رمضان ،حيث استفاد من مدرسته الشامله، وتزود قي هذا الشهر لبقية الشهور.

جعل الله هذا الشهر شهر عز ونصر وتمكين، وكتب الله لنا الفرج الكبير.

              الشيخ عبد الباري بن محمد خلة 

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية