الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

اليوم : الخميس 8 ذو القعدة 1445 هـ – 16 مايو 2024م
ابحث في الموقع

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

االحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد،

فالنفاق الاجتماعي ظاهرة منتشرة، تندرج تحتها أفعال كثيرة مثل التلون في العلاقات والكذب، والصعود على ظهور الآخرين من أجل المصالح الشخصية.

معنى النفاق الاجتماعي:

النفاق منسوب إلى النفق وهو السرب في الأرض، لأن المنافق يستر كفره ويغيبه، كمن يدخل النفق.

والنفاق قول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب) أو ستر الكفر وإظهار الإيمان وهذا النفاق ديني.

أما النفاق الاجتماعي فهو ليس نفاقاً دينياً، بل هو يتعلَّق بسلوك اجتماعي، وعلاقات فردية، وأمراض اجتماعية تؤثر بقوة المجتمع وتماسك أفراده ، والنفاق عمومًا مذموم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ. رواه البخاري.

وذو الوجهين يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها .

وعن عمار بن ياسر قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا كان لَهُ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ. رواه البخاري في الأدب المفرد بسند حسن.

فتجد بعضهم يفعل ذلك لمصلحة دنيوية، أو مصلحة اجتماعية.

فإذا داهنت أو جاملت الفاسق توهم السامع بعكس ما هو فيه واقترفت خطأ.

والناس أصناف متعددة منهم الصريح ومنهم المداهن، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلاَمِ، إِذَا فَقِهُوا وَتَجِدونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأتِي هؤُلاَءِ بَوَجْهٍ وَهؤُلاَءِ بِوَجْهٍ. رواه البخاري.

وعن ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أُنَاسٌ لِابْنِ عُمَرَ إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلَافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ قَالَ كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا. رواه البخاري.

وقال القرطبي: (إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس ) .

وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا. رواه البخاري في الأدب المفرد بسند حسن صحيح.

ويكون النفاق الاجتماعي عند بعض الأشخاص في السكوت عن الخطأ بحجة المصلحة، أو خوفاً من فقد ثقة المُجَامل، يقول الحسن البصري : ( تولى الحجاج العراق وهو عاقل كيس فما زال الناس يمدحونه حتى صار أحمق طائشا سفيها)

يقول ابن القيم في كتابه الفوائد: 'علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون الناس إليها بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا؛ قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع طرق'.

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً. رواه مسلم.

ويتجلى هذا المرض في مجتمعنا في العمل حتى في وسائل التواصل.

ولا ينبغي أن يكون هذا النفاق على حساب الدين فلا نبيح محرما ولا نفتي إرضاء للمسئول ولا نغير حكم الله.

والنفاق الاجتماعي من علامات الساعة، فعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع (يعني العبيد والسفلة من الناس). رواه الترمذي بسند صحيح.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ. رواه البخاري.

والمداراة مشروعة في الدين فهي تلطف مع الخصم ولين، ودفع له برفق ورحمة وهي فن يتقنه الحكماء العقلاء.

والإنسان مدني بطبعه لا يستغني عن الناس خلق في وسط المجتمع، فلا بد أن يعامل الجميع وهذا يحتاج إلى صبر ويحتاج إلى معرفة أطباعهم

وقد استعمل هذا الفن القرآن والسنة فمن القرآن قول الله - تعالى-: لموسى وهارون -عليهما السلام-: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه 43: 44].

 أمر الله موسى وهارون عليهما السلام أن يدعوا فرعون الطاغية ومع ذلك يلينا له في الخطاب.

وهذا من باب الدبلوماسية وفن الخطاب والتعامل وهذا باب من أبواب المداراة.

وقال الله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [هود : 84].

فشعيب -عليه السلام- يدعو قومه وينهاهم عن التطفيف ويتلطف بهم، ثم يقول لهم: إني أراكم بخير في الدنيا وهذه مداراة.

وفي السنة نماذج كثيرة تدل على المدارة ومشروعيتها فعَنِ السَّائِبِ قَالَ: 'أَتَيْتُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَىَّ وَيَذْكُرُونِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَا أَعْلَمُكُمْ يَعْنِى بِهِ. قُلْتُ صَدَقْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي كُنْتَ شَرِيكِي فَنِعْمَ الشَّرِيكُ كُنْتَ لاَ تُدَارِى وَلاَ تُمَارِى' رواه أبو داود بسند صحيح.

 كُنْتَ لاَ تُدَارِى وَلاَ تُمَارِى' أي لينا سهلا لا غلظة في تعاملك بعيدا عن المراء والجدل.

وعن عَائِشَةُ -رضي الله عنها-، أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: 'ائْذَنُوا لَهُ، فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ' رواه البخاري ومسلم.

ويبدو أن هذا الرجل أسلم ظاهرا لكنه كاذب مؤذ فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبين حاله ليحذره الناس، غير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألان له القول تألفا له وحسن دعوة.

وهذه المدارة مشروعة لأنها مجاملة دنيوية ليست دينية وفرق من يتلطف مع الناس وبين من يقرهم على خطئهم ومعصيتهم لذا بين الحافظ ابن حجر في الفتح الفرق بين المدارة والمداهنة فقال: المداراة خفض الجناح للناس والرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإِغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألف، وهي من أخلاق المؤمنين ومندوب إليها .

المداراة درء الشر ودفعه بالقول اللين، وترك الغلظة على مرتكب الشر لمصلحة دينية، أو الإعراض عنه، إذا خيف شره، أو حصل منه من المنكر أكبر مما هو واقع فيه.

ومن الأمثلة على المداراة والمجاملة إعجابك بطعام زوجتك وإن لم يكن لذيذا فهي مجاملة محمودة

وأما المداهنة: فمأخوذة من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه : كمعاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، وهي محرمة منهي عنها .

فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق .

فالمداراة غير المداهنة.

النتائج السلبية للنفاق الاجتماعي

1-              يغير من السلوك.

2-              الشعور بالنقص وقلة الثقة.

3-              الظلم وحرمان الأخرين من حقوقهم والابتعاد عن قيم العدل والمساواة.

4-              يعمل على العنصرية ويؤدي إلى الطبقية.

5-              التركيز على الكماليات دون الاهتمام بالأساسيات، مما يؤثر على النواحي الاقتصادية والنفسية وتؤثر على المجتمع بشكل عام.

علاج ظاهرة النفاق الاجتماعي

1-              التركيز على المضمون وعدم الاعتناء بالشكليات.

2-              الرجوع إلى القيم والمبادئ الدينية التي تحرم النفاق.

3-              نشر الثقافة والعلم في أوساط الشباب، والتركيز على الإنجازات البشرية وترك المظاهر الخداعة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                   الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية