الحمد لله وكفى
وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فهناك فرق بين
الوسواس العادي والوسواس القهري
الوسواس
القهري هو نوع من التفكير -غير المعقول وغير المفيد- الذي يلازم الشخص دائما ويحتل جزءا
من الوعي والشعور مع اقتناع الشخص بسخافته
وتظل
هذه الأفكار تلاحقه وتقطع عليه تفكيره ، الأمر الذى يسبب التعب والإرهاق النفسي والبدني للشخص
من أمثلة الوسواس القهري هوس النظافة ... فتجد الشخص يشك بكل شي ويغسل يديه بعد ملامسة اي شي
وقد تحدث درجة خفيفة من هذه الأفكار عند كل إنسان فترة من فترات حياته وهذا الوسواس العادي ، ولكن الوسواس القهري يتدخل ويؤثر في حياة الفرد وأعماله الاعتيادية وقد يعيقه تماما عن العمل.
والخلاص أن الوسواس العادي إيحاءات من الشيطان تأتي كل إنسان لكن الإنسان قد يتغلب عليها بسهولة وبيسر إذا وجد الأيمان
ويمكن التغلب على الوسواس بقسميه بالقرآن قال الله تعالى: ' أَنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاِتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ' .
وقال الله تعالى: ' إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ولسن بضارهم شيئاً إلا بإذن الله '.
وقال صلى الله عليه وسلم: ' من وجد من هذا الوسواس فليقل: آمنا بالله ورسوله ' ثلاثا ' فإن ذلك يذهب عنه '.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ' اتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ '.
والْوَسْوَسَةَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وهو لا غَايَةَ لِمُرَادِهِ إلا إيقَاعُ الْمُؤْمِنِ فِي وَهْدَةِ الضَّلَالِ وَالْحَيْرَةِ وَنَكَدِ الْعَيْشِ وَظُلْمَةِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا إلَى أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ لا يَشْعُرُ.
وإن من الوسوسة المذمومة نتر الذكر ثلاثاً ليستخرج بقية البول منه، السلت والتنحنح وصعود الدرج والمشي خطوات، كل ذلك من الوسوسة.
قال الشيخ تقي الدين في الاختيارات: ويكره السلت والنتر ولم يصح الحديث في الأمر به والمشي والتنحنح عقيب البول بدعة ومن ابتلى بشيء من هذه الوسوسة فلينضح على فرجه وسراويله بعد الاستنجاء من البول شيئاً من الماء فإذا أحس ببله فيقول هذه من هذه ، وفيه حديث ضعيف لكنه قاطع للوسواس وفي صحيح مسلم عن عائشة :- عشر من الفطرة ، وذكر منها :- ' والانتضاح ' وفسره بعض أهل العلم بهذا ، وقال أحمد فيمن ظن خروج شيء منه :- لا تلتفت إليه حتى تتيقن والهُ عنه فإنه من الشيطان وإنه يذهب إن شاء الله وعليك الاستعاذة من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ، وإن لم يذهب وكثر عليك فراجع طبيباً نفسياً فإنه من الوسواس القهري وعلاجه عند الأطباء ، والله يحفظنا وإياك من كل سوء.
ومن دَوَاء الْوَسْوَسَةِ كما َذَكَرَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السلامِ: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ خَاطِرٌ شَيْطَانِيٌّ ، وَأَنَّ إبْلِيسَ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُقَاتِلُهُ ، فَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ الْمُجَاهِدِ ؛ لِأَنَّهُ يُحَارِبُ عَدُوَّ اللَّهِ ، فَإِذَا اسْتَشْعَرَ ذَلِكَ فَرَّ عَنْهُ ، وَأَنَّهُ مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ نَوْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ أَوَّلِ الزَّمَانِ وَسَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِحْنَةً لَهُ ؛ لِيُحِقَّ اللَّهُ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
ومن دواء الوسوسة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فعن عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي ـ حائل ـ فَقَالَ له النبي : ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِك ثَلَاثًا ، فَفَعَلْت فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي رواه مُسْلِمٍ.
ومن دواء الوسوسة الإَسْرَاع فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْوُضُوءِ فقد قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ شَيْخِهِ رَبِيعَةَ - إمَامِ أَهْلِ زَمَنِهِ - : كَانَ رَبِيعَةُ أَسْرَعَ النَّاسِ فِي أَمْرَيْنِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْوُضُوءِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ غَيْرَهُ - قُلْت : مَا فَعَلَ .
وَكَانَ ابْنُ هُرْمُزَ بَطِيءَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْوُضُوءِ ، وَيَقُولُ : مُبْتَلًى لَا تَقْتَدُوا بِي .
ومن دواء الوسوسة الْعِلْمِ فعن الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ : ضَاقَ صَدْرِي لَيْلَةً لِكَثْرَةِ مَا صَبَبْت مِنْ الْمَاءِ ، وَلَمْ يَسْكُنْ قَلْبِي فَقُلْت : يَا رَبِّ عَفْوَك ، فَسَمِعْت هَاتِفًا يَقُولُ : الْعَفْوُ فِي الْعِلْمِ ؛ فَزَالَ ذَلِكَ عَنِّي.
ومن دواء الوسوسة قول كلمة التوحيد لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فقد نَقَلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ بُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فِي الْوُضُوءِ ، أَوْ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ الذِّكْرَ خَنَسَ ؛ أَيْ : تَأَخَّرَ وَبَعُدَ ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ - رَأْسُ الذِّكْرِ وَلِذَلِكَ اخْتَارَ صَفْوَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ - مِنْ أَصْحَابِ التَّرْبِيَةِ وَتَأْدِيبِ الْمُرِيدِ - قَوْلَ ( لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) لِأَهْلِ الْخَلْوَةِ ، وَأَمَرُوهُمْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا ، وَقَالُوا : أَنْفَعُ عِلَاجٍ فِي دَفْعِ الْوَسْوَسَةِ الْإِقْبَالُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ .
ومن دواء الوسوسة َ الفرح، قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ شَكَوْت إلَى الدَّارَانِيِّ الْوَسْوَسَةَ فَقَالَ : إذَا أَرَدْت قَطْعَهُ فَمَتَى أَحْسَسْت بِهِ فَافْرَحْ فَإِذَا فَرِحْت انْقَطَعَ عَنْك فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى الشَّيْطَانِ مِنْ سُرُورِ الْمُؤْمِنِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ مَنْ كَمُلَ إيمَانُهُ ؛ فَإِنَّ اللِّصَّ لَا يَسْرِقُ مِنْ بَيْتِ لِصٍّ مِثْلِهِ. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة