الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فقد ذكر ابن القيم أن الذي يحجب العبد عن الله عشرة أشياء وهي:
1. الحجاب الأول: الجهل بالله
2. الحجاب الثاني: البدعة
3. الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة
4. الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة
5. الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر
6. الحجاب السادس: حجاب الشرك
7. الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات
8. الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله
9. الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف
10. الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير الى المقصود
ولعلي أتحدث عن أربعة فقط وهي:
1. الجهل بالله.
2. البدعة.
3. الكبائر الباطنة.
4. الكبائر الظاهرة.
أولا: الجهل بالله:
فمن عرف الله أحبَّه ومن لم يعرفه لم يحبه قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
ومن لا يعرف الله يعبد الشيطان من دون الله ومن أعظم المعاصي الجهل بالله عزَّ وجلَّ، وسوء الظن به، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن الجهل بالله سم مهلك. العقيدة الأصفهانية
وقال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله: من عرف الله أحبه على قدر معرفته به وخافه ورجاه وتوكل عليه وأناب إليه ولهج بذكره واشتاق إلى لقائه واستحيا منه وأجلّه وعظمه على قدر معرفته به. (مدارج السالكين ج 3 ص 314-315)
وقال رحمه الله تعالى: على قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية كما قال النبي: (إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية) وفى رواية (خوفا) وقال (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى). مدارج السالكين
وقال رحمه الله تعالى: فكلما ازدادت معرفة العبد بربه ازدادت هيبته له وخشيته إياه كما قال الله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]
أي العلماء به وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية) ومن عرف الله صفا له العيش وطابت له الحياة وهابه كل شيء وذهب عنه خوف المخلوقين وأنس بالله واستوحش من الناس وأورثته المعرفة الحياء من الله والتعظيم له والإجلال والمراقبة والمحبة والتوكل عليه والإنابة إليه والرضا به والتسليم لأمره. روضة المحبين
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: من عرف الله عرف ما سواه ومن جهل ربه فهو لما سواه أجهل، قال تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [الحشر: 19]
فمن جهل ربه عاداه فعلينا بالعلم به ومعرفته فإن الجهل به يحجب عن الله.
ثانيا: البدعة:
البدعة من أعظم الكبائر وهي أحب إلى إبليس من المعصية، قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى: قال أئمة المسلمين كسفيان الثوري: (إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن البدعة لا يُتاب منها، والمعصية يُتاب منها)
والبدعة قرينة الشرك فهي تنافي الشهادتين وهي لا تزيد أصحابها من الله إلا بُعدا.
والبدع كلها محرمة، ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعها.
فمن البدعة ما هو: كفر ومنه ما هو: فسق اعتقادي ومنه ما هو: معصية
وﻻ يجوز التهاون في البدع وإن صغرت.
فالبدعة شر في الدين وجهل وتهاون لا ينبغي أن يكون فمن ابتدع في الدين فقد شرع ومن شرع فقد تعدى على الله وعلى شرعه ومن أحيا بدعة فقد أمات سنة وكل ذلك يحجب القلب عن الله.
ثالثا: الكبائر الباطنة:
وهي كثيرة وخطيرة كالخيلاء، والكبر، والحسد، والعجب، والرياء، والغرور
وهذه الكبائر الباطنة أعظم من الكبائر الظاهرة لآن أثرها وعاقبتها أخطر
والطريق إلى الله تقطع بالقلوب، لا بالأقدام، والمعاصي القلبية قطاع الطريق.
وإذا وقعت الكبائر الباطنة في القلب، كانت حجابًا بين العبد وربه.
يقول ابن القيم: «وقد تستولي النفس على العمل الصالح، فتصيره جندًا لها، فتصول به وتطغى.. فترى العبد أطوع ما يكون، أزهد ما يكون، وهو عن الله أبعد ما يكون » فلا تحجب نفسك عن الله وكن مع الله يكن الله معك.
رابعا: الكبائر الظاهرة
والكبائر الظاهرة كثيرة منها الزنا وشرب الخمر والسرقة وغيرها.
يقول العلماء: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
وقد تكبر الصغيرة وذلك بأمور:
1. الإصرار عليها
2. استصغار الذنب
3. التهاون بستر الله عليه
4. المجاهرة
وهكذا فالكبائر الظاهرة تحجب العبد عن ربه وتعتم نور القلب.
وهذه الحجب التي تعمي القلب وتؤخر العبد في الدنيا والآخرة والإنسان الذي يغضب الله يكون كما وصف الله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)} [طه: 124، 125، 126]
وهكذا يكون في الدنيا له حياة ضنكا مشاكل في بيته مع زوجته مع أبنائه لا يهنأ في معيشته.
أما يوم القيامة فيحشر أعمى لا يرى ويتخبط بين الناس لا يهتدي إلى الجنة إلا بعد جهد وتعب ذلك أنه أعرض عن الله أعرض عن شرع الله.
لكن باب التوبة مفتوح فمن أسرف على نفسه وابتعد عنه فليرجع إلى الله وليتب إليه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له والتوبة تجب ما قبلها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة