الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | أحكام زكاة الزيتون

اليوم : الجمعة 17 شوَّال 1445 هـ – 26 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

أحكام زكاة الزيتون

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد:

فأذكر الأحكام الفقهية المتعلقة بزكاة الزيتون، في نقاط تسع، على النحو الآتي:

أولًا- حكم زكاة الزيتون.

اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في الزيتون على قولين:

القول الأول- تجب الزكاة في الزيتون، ذهب إلى هذا القول الحنفية، والمالكية، والشافعي في القديم، وأحمد في رواية، وهو قول الزهري والأوزاعي والليث والثوري، وهو مروي عن ابن عباس، واستدلوا بأدلة منها:

1-  قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].

وجه الدلالة: ذكر الله سبحانه وتعالى الزيتون والرمان وأصنافًا أخرى من الزروع والثمار، وعقَّب بقوله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وهو عام يشمل الزروع والثمار، والزيتون من الثمار.

2-  عموم قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].

وجه الدلالة: قوله 'ومما أخرجنا: عام يشمل جميع أنواع الزروع والثمار دون استثناء.

3-  عموم ما ورد عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 'فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ'. [رواه البخاري (5/ 335) رقم 1388].

وجه الدلالة: الحديث عام يشمل كل زرع وثمر.

4-  قياس الزيت على التمر والزبيب فكل يمكن ادخار غلته.

القول الثاني- لا تجب الزكاة في الزيتون، ذهب إلى هذا القول الشافعي في الجديد، وأحمد في رواية، واستدلوا بأدلة منها:

1-    لا يوجد نص من القرآن أو السنة صريح في وجوب زكاة الزيتون.

2-    كونه لا يدخر يابسًا، فأشبه الخضروات.

والراجح وجوب زكاة الزيتون؛ لأنه أعظم نفعًا من التمر والزبيب، خاصة في هذا الزمن، ولاعتناء المزارعين فيه، وجلب الأرباح من ورائه.

ثانيًا- نصاب الزيتون.

نصاب الزيتون خمسة أوسق فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 'لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ'. [رواه مسلم (5/ 112) رقم 1625].

والوسَقُ ستون صاعًا فنضربها بخمسة، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، والصاع خمسة أرطال وثلث تقريبا، ويساوي بتقديرات المعاصرين ستمائة واثني عشر (612) كيلو جرامًا، أو 652 أو 672 كيلو جرامًا.

ويمكن القول: نصابه 600 كيلو فما فوق، وهذا كله بالتقريب لا بالتحديد.

ثالثًا: مقدار الزكاة الواجبة في الزيتون.

الزكاة الواجبة في الزيتون إذا بلغ النصاب المذكور على النحو الآتي:

1-       ما يسقى بماء السماء وفيه العشر (10%).

فعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 'فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ'. [رواه البخاري (5/ 335) رقم 1388].

وعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 'فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ'. [رواه مسلم (5/ 118) رقم 1630].

وجه الدلالة: واضح من قول النبي صلى الله عليه وسلم فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ.

2-       ما يسقى بالنضح، من نحو مولدات، بوسيلة الكهرباء، أو السولار، أو نحو ذلك، وفيه نصف العُشر (5%) للحديث السابق؛ حيث نص على أن مَا سُقِي بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ.

3-       ما يسقى بعض السنة بماء المطر، وبعضها الآخر بالنواضح، ونحوها، ففيه ثلاثة أرباع العشر (7,5%) وهذا ينسجم مع مقصد الزكاة، ومراعاة لحال المزكين والفقراء.

رابعًا- حكم خصم مؤونة الزرع، والحرث، والحصد، ونحو ذلك من كامل الزرع.

اختلف الفقهاء في مؤونة الزرع، والحرث، والحصد، وشراء المعدات الزراعية، والأسمدة، والمبيدات، وأجور العمال، ونحو ذلك على قولين:

القول الأول- مؤونة الزرع، والحرث، والحصد، وغير ذلك على المالك، ولا تخصم من المحصول، ذهب إلى هذا القول الجمهور من الفقهاء، كأصحاب المذاهب الأربعة، وغيرهم.

القول الثاني- مؤونة الزرع، والحرث، والحصد، وغير ذلك، تخصم من كامل الزرع، وتكون الزكاة عن الباقي إذا بلغ نصابًا، ذهب إلى هذا القول بعض الفقهاء، كعطاء، واختاره ابن العربي.

فعَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ يَسْقُطُ مِمَّا أَصَابَ النَّفَقَةَ، فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى، وَإِلَّا فَلَا؟ المحلى بالآثار لابن حزم (4/ 66).

وعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «ارْفَعْ الْبَذْرَ، وَالنَّفَقَةَ، وَزَكِّ مَا بَقِيَ» مصنف ابن أبي شيبة (2/ 377)

وعن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: «إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِيمَا أَحْرَزْتَ بَعْدَ مَا تُطْعَمُ مِنْهُ، وَبَعْدَ مَا تُعْطِي الْأَجْرَ أَوْ تُنْفِقُ فِي دَقٍّ، وَغَيْرِهِ حَتَّى تُحْرِزَهُ فِي بَيْتِكَ إِلَا أَنْ تَبِيعَ شَيْئًا فَالصَّدَقَةُ فِيمَا بِعْتَ» مصنف عبد الرزاق الصنعاني [(4/ 94) رقم 7091] وانظر عارضة الأحوذي 3/144.

وقال النووي: 'وحكى صاحب الحاوي، عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: تكون المؤونة من وسط المال، لا يختص بتحملها المالك دون الفقراء، لأن المال للجميع فوزعت المؤنة عليه.

قال صاحب الحاوي: وهذا غلط؛ لأن تأخير الأداء عن وقت الحصاد إنما كان لتكامل المنافع، وذلك واجب على المالك، والله تعالى أعلم'. المجموع: النووي (5/ 428).

والراجح: أنه يجوز خصم كل النفقات (مؤونة الزرع، والحرث، والحصد، وشراء المعدات الزراعية، والأسمدة، والمبيدات، وأجور العمال، إلا الكهرباء أو السولار؛ لأننا خصمنا ذلك من العشر.

خامسًا: الأفضلية في الإخراج.

يجوز إخراج زكاة الزيتون زيتًا، ويجوز إخراجه زيتونًا، ويجوز إخراجه نقدًا؛ ولعل النقد أفضل فهو أنفع للفقراء وأيسر على المالك.

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: 'إن أخرج زيتونًا جاز؛ لأنه حالة الادخار، قال: وأحب إن أخرج عُشْرَه زيتًا؛ لأنه نهاية ادخاره'. النووي في المجموع (5/ 434).

سادسا- زكاة الزيتون على المالك في حال بيع الثمر على الشجر.

سابعا– لا يشترط في زكاة الزيتون حولان الحول، بل الواجب بلوغ النصاب فقط.

ثامنا- حكم بيع الزيتون عند بدو الصلاح.

يجوز بيع الزيتون عند بدو الصلاح، ولا يجوز بيعه قبل ذلك، وتكون زكاته على المالك، فإما أن يستثني قدر الزكاة فلا يبيعه؛ ليخرجه للفقراء، وإما أن يخرج بقدر الزكاة نقدًا.

تاسعا- حكم ضمان الزيتون.

يجوز الضمان (بيع الزيتون على الشجر) بعد بدو الصلاح، ولا يجوز قبله، وتكون الزكاة على المالك.

وأمَّا المشتري فلا زكاة عليه، بل يزكي ماله زكاة عروض التجَارة في نهايَة العام بشروطها المعلومة.

هذه أحكام زكاة الزيتون، وأسأل الله القدير أن يوفق الأغنياء بكرمهم على الفقراء، وأسأله أن يغني الفقراء، والله أعلى وأعلم.

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية