الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | أحكام هامة في فصل الشتاء

اليوم : الجمعة 19 رمضان 1445 هـ – 29 مارس 2024م
ابحث في الموقع

أحكام هامة في فصل الشتاء

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أمَّا بعد:

فيقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].

وعن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-، عَنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنهُ قالَ: {الشِّتاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ} [رواه الامام أحمد بسند ضعيف (3/100) رقم11734].

وهذه بعض الأحكام الّتي ينبغي على المسلم أن يعلمها في موسم الشتاء.

فمن تيسير الله علينا ديننا، أن جعل لنا كثيرًا من الرّخص، والتي تدل على سماحة هذا الدين.

وقد جاء بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للبشر، وجاء بالحنيفية السمحة، ووصف في التوراة والإنجيل بذلك، قال الله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].

 يذكرنا هذا الموسم بتوحيد الله تعالى وشكره، فكَـْيـفَ نَـشْـكُـرُ نعمة المطر؟ لا بد أن نرد العلم والنّعمة إلى الله تعالى: فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- قال: {صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ} [رواه مسلم (1/83) رقم71].

ولا بد من صلاة الجماعة في المساجد، فإنها تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، فعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ --صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». [رواه مسلم (1/450) رقم 650].

وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: {مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ}. [رواه مسلم (1/454) رقم656].

وعَنْ بُرَيْدَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: {بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. [رواه الترمذي بسند صحيح (1/435) رقم 223].

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» [رواه البخاري (1/126) رقم615].

مما سبق يتبين فضل صلاة الجماعة في المسجد، حيث هي شعيرة من شعائر الدين، ومعلم من معالمه، ويجب المحافظة على هذه الشعيرة، والأجر على قدر التعب، وليعلم المسلم أن صلاة الجماعة من الأهمية بمكان، وكان زمن النبوة لا يتخلف عنها إلا منافق، لذا كان واجبًا علينا نحن المسلمين أن نحافظ عليها، حيث لم يجد النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعمى رخصة في تركها، والمسلم لا بد أن يجتهد في العبادة، والأجر على قدر التعب.

وإتمام الوضوء عند شدة البرد جهاد في سبيل الله، كيف لا والمسلم يجاهد نفسه، ويراوده الشيطان أن يترك ذلك، وينصرف عن العبادة، والمسلم لا يهمه إلا رضا الرحمن سبحانه، فيحرص على الوضوء حتى في البرد الشديد، وإذا علم المسلم ثواب الذين يسبغون الوضوء في البرد هان عليه كل صعب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ». [رواه مسلم (1/219) رقم 251].

وإسباغ الوضوء إتمامه، والمكاره: وقت البرد، ولا بأس مِن تنشيف أعضاء الوضوء في البرد.

وإذا عجز عن الوضوء كمن لم يجد ماء ليتوضأ، أو لم يجد ما يسخن به، أو لا يستطيع استعمال الماء، فله أن يتيمم، ولا حرج عليه.

ويجوز المسح على الخفين، والجوربين، ويشرع الجمع بين الصلاتين بسبب المطر.

وصلاة الجمع رخصة، فإذا وجد سبب الجمع، جاز لكن العزيمة أفضل، ومما يؤسف له أن بعض المصلين ربما يميلون إلى الراحة والدعة، فيحرصون على جمع الصلاة بسبب المطر، الأمر الذي يساعد على الكسل، والفتور عن العبادة، والمسلم ينبغي دائمًا أن يترقى في الكمال، ولا يبحث عن الرخص، والراحة، بل لا بد أن يعيش لله، حتى في أحلك الأمور.

ويكثر في فصل الشتاء الوَحَل والطين، ويعفى عما أصاب الثياب أو البدن من طين الشوارع،

ويجوز المسح على الخفين والجوربين، وإن كانا رقيقين، ويبدأ المسح من أول حدث.

الدعاء عند هبوب الريح:

فعَنْ عَائِشَةَ-رضي الله عنها-، زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ»، قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]» [رواه مسلم (2/616) رقم899].

الدعاء عند رؤية السحاب والمطر

 فعَنْ عَائِشَةَ-رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- «كَانَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ تَرَكَ الْعَمَلَ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنْ مُطِرَ قَالَ اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا» [رواه أبو داود بسند صحيح (4/ 326) رقم5099].

وعَنْ عَائِشَةَ-رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» [رواه البخاري (2/ 32) رقم1032].

صيّباً نافعاً أي: أسألك صَيّباً، أو اجعله صيّباً. والصيِّب: هو المطر الذي يجري ماؤه.

والدعاء مُطلقًا –عند المطر- مُستحب.

الدعاء عند سماع الرعد

فعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ-رضي الله عنهما- {أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ شَدِيدٌ}.] رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح (ص: 252) رقم723].

فهذه بعض الأحكام المتعلقة بهذا الموسم، أسأل الله أن ينفع بها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

          الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية