الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فيقول ابن تيمية عليه رحمة الله: ' أَمَّا مَسْأَلَةُ تَغَيُّرِ الْمَاءِ الْيَسِيرِ أَوْ الْكَثِيرِ بِالطَّاهِرَاتِ: كَالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ وَالسِّدْرِ والخطمي وَالتُّرَابِ وَالْعَجِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يُغَيِّرُ الْمَاءَ مِثْلَ الْإِنَاءِ إذَا كَانَ فِيهِ أَثَرُ سِدْرٍ أَوْ خطمي وَوُضِعَ فِيهِ مَاءٌ فَتَغَيَّرَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الْمَاءِ: فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْعُلَمَاءِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ الَّتِي اخْتَارَهَا الخرقي وَالْقَاضِي وَأَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَاءِ مُطْلَقٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}.
أي مطلقا، والراجح أنه يجوز التطهير بالماء المتغير بهذه الطاهرات ما دام الماء لم يخرج عن وصفه واسمه، وقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَمَرَ بِغَسْلِ الْمُحَرَّمِ بِمَاءِ وَسِدْرٍ} {وَأَمَرَ بِغَسْلِ ابْنَتِهِ بِمَاءِ وَسِدْرٍ} {وَأَمَرَ الَّذِي أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءِ وَسِدْرٍ} وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ السِّدْرَ لَا بُدَّ أَنْ يُغَيِّرَ الْمَاءَ فَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ يُفْسِدُ الْمَاءَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ. [مجموع فتاوى ابن تيمية بتصرف بسيط (4 / 371)]
والخلاصة أن الراجح في المسألة جواز التطهر بالماء الذي خالطه بعض الطاهرات، ما لم يخرج الماء عن اسمه، فإذا أراد المسلم رفع الجنابة فعليه بالماء المطلق من غير وضع شيء فيه.
والزعفران هو الكركم، وهو نوع من أنواع الطيب الذي كان يستخدم قديما. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة