الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | شفاعة النبي -صلى اللهُ عليه وسلَّم- يوم القيامة وأنواعها السؤال: وضح لي لو سمحت كيف تكون شفاعة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة وما هي أنواعها؟

اليوم : الإثنين 20 شوَّال 1445 هـ – 29 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

شفاعة النبي -صلى اللهُ عليه وسلَّم- يوم القيامة وأنواعها
السؤال: وضح لي لو سمحت كيف تكون شفاعة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة وما هي أنواعها؟

فتوى رقم: 799
الجواب:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد؛

 فالشفاعة هي التوسط لقضاء حاجة، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تذلله ومناجاته بين يدي الله تعالى وسؤاله المغفرة للناس.

وقد دلت الآيات والأحاديث الصحيحة على أن هناك شفاعة للخلق يوم القيامة، وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه، ولطفه بعباده، وهذه الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله تعالى للشافع أن يشفع؛ وبرضى الله عن المشفوع له، قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقال الله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28].

وأنواع الشفاعات يوم القيامة كثيرة، والشافعون يوم القيامة كثيرون، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضيَ اللهُ عنه-، عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلَّم- أن الله سبحانه وتعالى يقول يوم القيامة: «شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ» [رواه مسلم].

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي، مِثْلُ الْحَيَّيْنِ، أَوْ مِثْلُ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ؛ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، فَقُلْنَا: سِوَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: سِوَايَ» [رواه الترمذي بسند صحيح]، وهذا من فضل الله وكرمه على النبي -صلى اللهُ عليه وسلَّم- وأمته.

 وأعظم الخلق شفاعة يوم القيامة، رسولنا محمد -صلى اللهُ عليه وسلَّم-، فقد دلت الأحاديث على أن للنبي محمد -صلى اللهُ عليه وسلَّم- شفاعات كثيرة، منها ما يشترك فيها غيره معه، ومنها ما هو خاص به عليه الصلاة والسلام.

أنواع شفاعة النبي -صلى اللهُ عليه وسلَّم- يوم القيامة:

1-  الشفاعة العظمى(الكبرى):

وهي من خصائصه، التي أخبر الله تعالى عنها بأنها المقام المحمود، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء: 79]، حين يأتي البشر الأنبياء نبيًا نبيًا؛ لشفعوا لهم، إلى أن يأتوا النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيشفع لهم؛

وهي شفاعته عليه الصلاة والسلام لجميع الخلائق عند الله تعالى؛ ليبدأ الحساب، ويستريح الناس من طول الوقوف يوم القيامة؛ فعن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: (إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ يَا فُلَانُ اشْفَعْ يَا فُلَانُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ) رواه البخاري.

2-  شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخاصة بدخول الجنة، فلا يدخلها أهلها إلا بعد دخول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ) رواه مسلم.

3-  شفاعته -صلى اللهُ عليه وسلَّم- للعصاة من أمته؛ ليخرجوا من النار ويدخلوا الجنة، فعنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضيَ اللهُ عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «لَيَخْرُجَنَّ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَتِي، يُسَمَّوْنَ جَهَنَّمِيُّونَ» [رواه الترمذي بسند صحيح].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضيَ اللهُ عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ» [رواه البخاري ومسلم].

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضيَ اللهُ عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» [رواه أبوداود بسند صحيح].

4-  شفاعته -صلى اللهُ عليه وسلَّم- لقوم من أمته؛ ليدخلوا الجنة من غير حساب ولا عذاب، ففي حديث الشفاعة العظمى الذي مر معنا عن أبي سعيد الخدري  -رضيَ اللهُ عنه- أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلَّم- قال: «فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا، لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ» [رواه البخاري ومسلم].

5-  شفاعته -صلى اللهُ عليه وسلَّم- لجميع المؤمنين بدخول الجنة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضيَ اللهُ عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الْجَنَّةِ وَأَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا» وفي رواية قال: «أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ» وفي رواية قال: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ» [رواه مسلم].

6-  شفاعته -صلى اللهُ عليه وسلَّم- لبعض أهل النار أن يخفف عنهم من عذابها، ومن ذلك شفاعته -صلى اللهُ عليه وسلَّم- لعمه أبي طالب؛ ليخفف عنه من عذاب جهنم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ-أبو طالب-، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ» [رواه البخاري ومسلم].

7-  شفاعته -صلى اللهُ عليه وسلَّم- في رفع درجات المؤمنين في الجنة، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضيَ اللهُ عنها- ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ»، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ»[رواه مسلم].

وأسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يبلغنا شفاعة نبيه -صلى اللهُ عليه وسلَّم-، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يوردنا حوضه، وصلى الله، وسلم، وبارك عل عبده ونبيه محمد. 

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية