الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | السؤال الأول- ما حكم التسول الإلكتروني سواء من الأفراد أم من المؤسسات؟ وما حكم المبالغة في وصف الحالات المحتاجة؟

اليوم : الجمعة 17 شوَّال 1445 هـ – 26 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

السؤال الأول- ما حكم التسول الإلكتروني سواء من الأفراد أم من المؤسسات؟ وما حكم المبالغة في وصف الحالات المحتاجة؟

فتوى رقم: 755
الجواب:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى أمّا بعد،

فيقول الله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10].

قال بعض أهل التفسير إن هذه الآية تحمل على السائل عن العلم، وقال بعضهم تحمل على السائل للصدقة.

قال الطبري: 'وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته'. تفسير الطبري (24/ 489).

وقال ابن كثير: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} أي: 'وكما كنت ضالًا فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد'. تفسير ابن كثير 6/483.

والتسول -سواء أكان تقليديًا أم إلكترونيًا- ظاهرة قبيحة تُسيء إلى سمعة المجتمع، حيث يظهر المتسول الذل والهوان، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُذلّ المؤمن نفسه، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: [لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ] رواه الترمذي بسند صحيح.

وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الآفة، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: [مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ] رواه البخاري.

وقد كرم الإسلام الإنسان، وصان نفسه عن الابتذال والذل، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].

وحرّم الإسلام المسألة على كل غني، فعن مُعَاوِيَة قال رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: [مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ] رواه أبو داود بسند صحيح.

وقال الإمام الغزالي ما ملخصه: إن السؤال [أي التسول] حرام في الأصل، ولا يباح إلا لضرورة أو حاجة قريبة منها، وأرجع سبب التحريم لثلاثة أسباب:

1-  أن في التسول إظهار الشكوى من الله.

2-  أن فيه إذلال السائل نفسه لغير الله.

3-  أنه لا ينفك عن أن يتأذى المسؤول غالبًا، فقد يبذل من غير طيب نفس، أو يبذل لئلا يعد في البخلاء. إحياء علوم الدين للغزالي 4/ 205.

وقد حثت الشريعة الغراء على العمل اتقاءً لشر التسول، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ] رواه البخاري.

فالتسول حرام وذلة وصغار وعادة سيئة وظاهرة منبوذة سواء التسول التقليدي أم غيره.

وعليه فإن ما يقوم به بعض الناس من التسول من الخارج عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل= أمر محرم في ديننا، سواء أكان المتسول فردًا أم مؤسسة، وعلى الجهات المختصة أن تقف عند مسؤوليتها، وأن تأخذ بيد من حديد على يد هؤلاء.

ويجدر التنبيه أن العمل الخيري لا بد أن يكون منظمًا، وأن يكون تحت طائلة الرقابة؛ لئلا يأخذ أحد غير حقه، ولأن في ترك هذا الأمر على عواهنه مدعاة للفساد وأكل أموال الناس بغير حق، وفيه سمعة سيئة للشعب المقاوم المجاهد.

وإذا تسول أحدهم وتمعذر للمتبرعين بفقره وهو غير مستحق، فإنه يأخذ هذا المال حرامًا وباطلًا، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وقد شددت الشريعة الغراء في هذ الأمر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: [مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ] رواه مسلم.

ولا يجوز استغلال تعاطف إخواننا في الخارج مع قضيتنا= في التسول وأخذ الأموال بغير حق، وبعد ذلك توزيعها بغير عدل، فلا يجوز المتاجرة بقضيتنا العادلة، أو باسم شهدائنا وجرحانا.

وأما بالنسبة لقضية المبالغة في وصف الحالات المحتاجة، فيمكن القول إن الواسطة بين المتبرِّع والمتبرَّع له [الفقير] لا بد أن يكون أمينًا صادقًا في كل وصف ينقله، والمبالغة في وصف الحالات كذب وتضليل وهو أمر محرم.

 ولا يجوز التمعذر أنه ينبغي أخذ جزء من المال لمصاريف المشروع، بل إن كان المشروع يحتاج مصاريف فيخبر بذلك المتبرع، أو تتحمله الجمعية على حسابها الخاص، أما أن يتبرع أحدهم بألف مثًلا للفقراء فيخصم من نصيبهم، أو أن يطلب من الجمعية التضحية بمائة خروف فتذبح تسعين وتأخذ الباقي للمصاريف أو غيرها، فإن هذا أمر محرم لا يجوز، وفيه احتيال وتضليل وكذب غير مبرر، وينبغي الالتزام بما اتفق عليه مع المتبرع [الممول]، ولا يجوز الحيد عنه.

بقي أن نشير إلى أن متابعة هذه القضية، من الأهمية بمكان، فإنها تحفظ لنا كرامتنا وعزتنا، وينبغي المتابعة على جميع المستويات اتقاءً لهذا الأمر.

وأخيرًا أسأل الله تعالى أن يسبل على المسلمين ثوب الحياء والعفة، وأن يردنا والمسلمين إلى دينه ردًا جميلًا، وأن ييسر للفقراء أمورهم، وأن يصلح أحوالنا جميعًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                    الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية