الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فمعنى الغيبة ذكرك أخاك بما يكره فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْته، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ } رواه مُسْلِمٌ .
وعَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنَّ عَائِشَةَ حَكَتْ امْرَأَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَتْ قِصَرَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اغْتَبْتِيهَا. رواه أحمد بسند صحيح.
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَكَتْ امْرَأَةً فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ أَحَدًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا رواه أحمد بسند صحيح.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَقَامَ رَجُلٌ فَوَقَعَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: تَخَلَّلْ فَقَالَ: مَا أَتَخَلَّلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ مَا أَكَلْتُ لَحْمًا فَأَتَخَلَّلَ قَالَ: بَلَى، مِنْ لَحْمِ أَخِيكَ أَكَلْتَ آنِفًا. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بسند صحيح.
وعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ. رواه أحمد بسند صحيح.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِى قَصِيرَةً. فَقَالَ « لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ». قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ « مَا أُحِبُّ أَنِّى حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِى كَذَا وَكَذَا ». رواه أبو داود بسند صحيح
وقَدْ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْغِيبَةِ أُمُورًا سِتَّةً
الْأَوَّلُ: التَّظَلُّمُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْمَظْلُومُ: فُلَانٌ ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مَالِي أَوْ أَنَّهُ ظَالِمٌ.
الثَّانِي: الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِذَكَرِهِ لِمَنْ يَظُنُّ قُدْرَتَهُ عَلَى إزَالَتِهِ فَيَقُولُ: فُلَانٌ فَعَلَ كَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجَاهِرًا بِالْمَعْصِيَةِ
الثَّالِثُ: الِاسْتِفْتَاءُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي: فُلَانٌ ظَلَمَنِي بِكَذَا فَمَا طَرِيقِي إلَى الْخَلَاصِ عَنْهُ.
الرَّابِعُ: التَّحْذِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الِاعْتِزَازِ كَجُرْحِ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ، وَمَنْ يَتَصَدَّرُ لِلتَّدْرِيسِ، وَالْإِفْتَاءِ مَعَ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ
الْخَامِسُ: ذِكْرُ مَنْ جَاهَرَ بِالْفِسْقِ أَوْ الْبِدْعَةِ كَالْمَكَّاسِينَ وَذَوِي الْوِلَايَاتِ الْبَاطِلَةِ فَيَجُوزُ ذِكْرُهُمْ بِمَا يُجَاهِرُونَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
السَّادِسُ: التَّعْرِيفُ بِالشَّخْصِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْعَيْبِ كَالْأَعْوَرِ، وَالْأَعْرَجِ، وَالْأَعْمَشِ وَلَا يُرَادُ بِهِ نَقْصُهُ وَغِيبَتُهُ ، سبل السلام (7/ 171)
ومعنى النميمة نقل الكلام بقصد الإفساد
والنميمة حرام فعن حذيفة رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: 'لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ'. رواه البخاري. وفي رواية 'لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ' رواه مسلم.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ' مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ .
ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ :لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا . رواه البخاري ومسلم
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ. رواه البخاري في الأدب المفرد بسند حسن.
وعد بعض العلماء النميمة من باب السحر لما فيها من أضرار كالتفريق بين الأحبة.
ومن أدب المجالس عدم الثرثرة والحديث السيئ وعدم الغيبة والنميمة فليجتهد المسلم والمسلمة في إرضاء الله وعدم الإكثار من الكلام إلا فيما يفيد فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». رواه أبو داود بسند حسن.
الأسباب الباعثة على الغيبة والنميمة: أسبابها كثيرة، منها: الحقد والغضب، ومجاملة الأقران وموافقة الرفقاء، والتقدم عند الرئيس لهدم المغتاب، والهزل وإضاعة الوقت والتبرؤ من العيب لإِلصاقه بغيره والحسد السخرية والاحتقار، بل قد يبعث عليها الغضب لله.
أثر الغيبة والنميمة في الدنيا: تفرق بين الناس، وتورث العداوة فيما بينهم، وفيها فضيحة وهتك أستار، وقد تجر إلى ما هو أسوأ من ذلك. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة