الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | هل صحيح أن هناك ثلاث اعمال لا تدخل الموازين يوم القيامة لعظمتها وهي: 1-العفو عن الناس: قال تعالى : فمن عفا واصلح فأجره على الله ) لم يحدد الأجر لعظمة هذا الفعل فأصفحوا وسامحوا طمعا في أجر لا حدود له ............ 2-الصبر قال تعالى : (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) لم يحدد الأجر نحسب أن نكون وإياكم من الصابرين 3-الصيام ( كل عمل إبن أدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) لم يحدد الأجر وينادي منادي يوم القيامة اين الذين أجرهم على الله ؟؟؟ فيقبل الصابرون والصائمون والعافون عن الناس صوموا / واصبروا / وأصفحوا جعلني الله وإياكم ووالدينا والمسلمين ممن ينادى عليهم بهذا النداء .

اليوم : الجمعة 17 شوَّال 1445 هـ – 26 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

هل صحيح أن هناك ثلاث اعمال لا تدخل الموازين يوم القيامة لعظمتها وهي:
1-العفو عن الناس: قال تعالى : فمن عفا واصلح فأجره على الله ) لم يحدد الأجر لعظمة هذا الفعل فأصفحوا وسامحوا طمعا في أجر لا حدود له ............
2-الصبر قال تعالى : (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) لم يحدد الأجر نحسب أن نكون وإياكم من الصابرين
3-الصيام ( كل عمل إبن أدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) لم يحدد الأجر
وينادي منادي يوم القيامة اين الذين أجرهم على الله ؟؟؟ فيقبل الصابرون والصائمون والعافون عن الناس
صوموا / واصبروا / وأصفحوا جعلني الله وإياكم ووالدينا والمسلمين ممن ينادى عليهم بهذا النداء .

فتوى رقم: 38
الجواب:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فمما لا شك فيه أن أجر هذه الأعمال عظيمة لكنه لم يرد عن النبي أنها لا تدخل الموازين يوم القيامة بل هي تصادم ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة.

1.    قال الله تعالى : ' وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ' ( الأنبياء 47) .

2.    قال الله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } (القَارعة : 6) .

3.    عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ' مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ ' قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: ' وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ ' رواه أحمد بسند حسن.

فهناك أعمال عظيمة لا يعلم ثوابها إلا الله تعال، كالصيام والعفو والصبر وغيرها، قال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُلُّ مُطِيعٍ يُكَالُ لَهُ كَيْلًا ويوزن له وزنا إلّا الصابرين، فَإِنَّهُ يُحْثَى لَهُمْ حَثْيًا.

وقال القرطبي في قول الله تعالى: (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أَيْ : بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ. وَقِيلَ: يُزَادُ عَلَى الثَّوَابِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ لَكَانَ بِحِسَابٍ . وَقِيلَ: بِغَيْرِ حِسابٍ، أَيْ : بِغَيْرِ مُتَابَعَةٍ وَلَا مُطَالَبَةٍ كَمَا تَقَعُ الْمُطَالَبَةُ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا.

ولا تلازُم بين كون ثواب الصيام عظيما وبين عدم وزنه وكذا الصبر والعفو

وقال أيضا: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } قال : هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها. ولا شك أن كل من سلم فيما أصابه ، وترك ما نهي عنه ، فلا مقدار لأجرهم. وقال قتادة : لا والله ما هناك مكيال ولا ميزان ، حدثني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 'تنصب الموازين فيؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين وكذلك الصلاة والحج ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صبا' ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية. تفسير القرطبي (15/ 241)

وقال ابن كثير: [ وقوله تعالى ' إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ' قال الأوزاعي : ليس يوزن لهم ولا يكال لهم إنما يغرف لهم غرفا . وقال ابن جريج : بلغني أنه لا يحسب عليهم ثواب عملهم قط ولكن يزادون على ذلك . وقال السدي ' إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ' يعني في الجنة . ] ا.هـ.

وقول الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) } الشورى: 40

هذه آية تقرر مبدءاً عاماً في التنازل عن الحقوق فإن لصاحب الحق الخاص العفو عن القاتل أو المخطئ فهذه الآية تحث على صفة كريمة ألا وهي العفو عند المقدرة وهنيئا لمن عفا فإن أجره بغير كيل أو وزن أي كبير عند الله

قال القرطبي: قوله تعالى : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} قال العلماء : جعل الله المؤمنين صنفين ؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قول {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى : 37]. وصنف ينتصرون من ظالمهم. ثم بين حد الانتصار بقول : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي

قوله تعالى : {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} قال ابن عباس : من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} أي إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل : فكان العفو من الأعمال الصالحة تفسير القرطبي (16/ 40)

وأما قول الله في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي) من بين سائر الأعمال لأنه ليس فيه رياء والإضافة للتشريف أو لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفاته تعالى فلما تقرب الصائم إليه عز وجل بما يوافق صفاته أضافه إليه وقيل غير ذلك (وأنا أجزي به) والله تعالى إذا تولى شيئًا بنفسه المقدسة دلّ على عظم ذلك الشيء وخطر قدره شرح القسطلاني: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (8/ 473)

لذا فإن الله يتولى بنفسه إعطاءه الثواب

وهكذا فإن الأعمال كلها عظيمة لكن بعضها يفضل بعض ومن أفضلها تلك الأعمال المذكورة لكنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استثناها من الوزن لكن مهناها يحمل على عظم الأجر والثواب وهذا مبني على حمل الكلام على الحقيقة إن أمكن فإن تعذر يحمل على المجاز وهذا من سعة اللغة ومرونتها والله أعلى وأعلم.

            الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية