الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر السلام عليكم.. يا شيخ لو سمحت أريد تفسير شامل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم' لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر.. وهل يدفع المتسابقون أموالا والفائز يحصل عليها أو يكون هنالك طرف ثالث؟ لو تكرمت أريد أمثلة للتوضيح لطريقة السبق؟

اليوم : الجمعة 17 شوَّال 1445 هـ – 26 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر
السلام عليكم.. يا شيخ لو سمحت أريد تفسير شامل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم' لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر..
وهل يدفع المتسابقون أموالا والفائز يحصل عليها أو يكون هنالك طرف ثالث؟ لو تكرمت أريد أمثلة للتوضيح لطريقة السبق؟

فتوى رقم: 370
الجواب:

الحمد لله وكفى، والسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ} [رواه أحمد والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه بسند صحيح].

معاني ألفاظ الحديث:

قَوْلُهُ: (لَا سَبَقَ): السبق هو العوض أو الجائزة، قال الخطابي: السبَق بفتح الباء هو ما يجعل للسابق على سبقه من جعل أو نوال، أما السبق بسكون الباء فهو مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقاً، والرواية الصحيحة في هذا الحديث السبَق مفتوحة الباء [تفسير سنن أبي داود (معالم السنن) لأبي سليمان الخطابي2/ 1].

قَوْلُهُ: (إِلَّا فِي نَصْلٍ): أَيْ لِلسَّهْمِ؛ (أَوْ خُفٍّ): أَيْ لِلْبَعِيرِ؛ (أوْ حَافِر): ٍأَيْ لِلْخَيْلِ.

والمعنى، أَيْ لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ إِلَّا فِي أَحَدِهَا. [تحفة الأحوذي (4/ 383)].

الأحكام المستنبطة من الحديث:

أولا- يجوز السبق في هذه الثلاثة المذكورة في الحديث بغير عوض أو بعوض من غير المتسابقين، أي أن يكون هناك طرف آخر، وهو يدفع العوض، فهذا جائز بالاتفاق، قال الصنعاني: {الحديث دليل على جواز السباق على جعل، فإن كان الجعل من غير المتسابقين، كالإمام يجعله للسابق حل ذلك بلا خلاف} [سبل السلام (2/ 503)].

ويلحق بهذه الثلاث ما في معناها قال الخطابي: {الجعل والعطاء لا يستحق إلاّ في سباق الخيل والإبل وما في معناهما، وفي النصل وهو الرمي، وذلك لأن هذه الأمور عدة في قتال العدو، وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد، وتحريض عليه، ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير؛ لأنها كلها ذوات حوافر} [تفسير سنن أبي داود (معالم السنن) لأبي سليمان الخطابي (2/ 1)].

فإذا كان الجعل أو الجائزة من المحلل وهو الطرف الثالث وليس من المتسابقين جاز.

ثانيا- إن كان الجعل أو الجائزة من المتسابقين فاختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:

القول الأول: ذهب المالكية أنه لا يجوز بذل العوض من المتسابقين، سواءً بمحلل أو بغير محلل.

قال ابن عبد البر: {هذا لا يجوز عنده (أي مالك) بمحلل ولا بغير محلل، إنما السباق عنده أن يجعل السبق أحدهما كالسلطان، فمن سبق أخذه لا غير} [الاستذكار (5/ 140)].

القول الثاني: ذهب الحنفية، والشافعية، والحنبلية، إلى أنه لا يجوز إلا بمحلل.

والمحلل: هو شخص ثالث، يقولان له إن سبقتنا فالمال لك، وإن سبقناك فلا شيء لنا.

قال الكاساني (الحنفي): {لو كان الْخَطَرُ من الْجَانِبَيْنِ جميعا ولم يُدْخِلَا فيه مُحَلِّلًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْقِمَار نحو أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقَتْنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُك فَلِي عليك كَذَا فَقَبِلَ الْآخَرُ} [ بدائع الصنائع: الكاساني (6/ 206)].

القول الثالث: ذهب ابن تيمية، وابن القيم إلى أنه يجوز ولو بدون محلل.

قال ابن القيم: {قَالَ شيخ الْإِسْلَام: مَا علمت بَين الصَّحَابَة خلافًا فِي عدم اشْتِرَاط الْمُحَلّل} [الفروسية: ابن القيم (ص: 166)].

ثالثا- إن كان الجعل أو الجائزة من أحد المتسابقين، كأن يقول محمد لأحمد إن سبق فرسك فرسي، فلك منى مائة دينار جائزة، وإن سبق فرسي فرسك، فلا شيء لي، فاختلف العلماء في هذه الصورة على قولين:

القول الأول: ذهب الجمهور منهم أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد إلى جواز السبق في الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث، إن كان العوض من أحد المتسابقين، قال الكاساني: {ولو قال أحدهما لصاحبه: إن سبقتني فلك علي كذا، وإن سبقتك فلا شيء عليك، فهو جائز؛ لأن الخطر إذا كان من أحد الجانبين لا يحتمل القمار، فيحمل على التحريض على استعداد أسباب الجهاد} [بدائع الصنائع (6/ 206)].

القول الثاني: ذهب الإمام مالك إلى جواز ذلك، بشرط ألا يرجع العوض لمن يدفعه في حال كان هو الذي سبق، وقال رحمه الله: {حكمة المعاوضة انتفاع كل واحد من المتعارضين بما بذل له، والسابق له أجر التسبب إلى الجهاد فلا يأخذ السبق} [الذخيرة (3/ 466)].

والراجح في ذلك كله جواز المسابقة، وأخذ العوض في الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث، أو ما في معناها وفي كل ما هو نافع وليس فيه حرام إذا كان العوض من أحد المتسابقين، أو من طرف ثالث.

وكذا المسابقات العلمية، والثقافية، الرياضية وغير ذلك، فهي جائزة، بشرط ألا يدفع المتسابقون شيئا في هذه الجائزة ، بأن يكون من طرف ثالث. والله أعلى وأعلم.

                                  الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية