الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | هل صحيح أن للسجدة ذنوبا وما حكم الخشوع وفضله في الصلاة؟؟

اليوم : الجمعة 10 شوَّال 1445 هـ – 19 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

هل صحيح أن للسجدة ذنوبا وما حكم الخشوع وفضله في الصلاة؟؟

فتوى رقم: 37
الجواب:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: ' {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }المؤمنون2

ويقول الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) } [الحديد: 16، 17]

'... ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: إن الرجل ليسجد السجدة يظن أنه تقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى, ووالله لو وزع ذنب هذه السجدة على أهل بلدته لهلكوا، سئل كيف ذلك ؟؟؟ فقال: يسجد برأسه بين يدي مولاه ,وهو منشغل باللهو والمعاصي والشهوات وحب الدنيا فأي سجدة هذه ؟....'

يعترض الإمام الغزالي على أولائكم الذين يصلون ولا يخشعون يسجد الواحد منهم ويركع ولا يدري كم صلى وإن المسلم إذا صلى ينبغي عليه أن يخشع ويجاهد نفسه في الصلاة

وكلام الإمام فيه نظر فإن من صلى قاصدا وجه الله تعالى قبلت صلاته بشروطها لكن الذي يصلي ولا تنهاه صلاته عن المنكر فإن صلاته لا تنفعه ولربما عنى الإمام ذلك

وعن أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ رواه النسائي بسند صحيح.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي سِتِّينَ سَنَةً مَا تُقْبَلُ لَهُ صَلاَةٌ، لَعَلَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ، وَلاَ يُتِمُّ السُّجُودَ، وَيُتِمُّ السُّجُودَ، وَلاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ. رواه ابن أبي شيبة في  مصنف بسند حسن

وعن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا تغنيان عنه شيئا. رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى بإسناد حسن

ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: 'يأتي على الناس زمان يُصلُّون وهم لا يُصلُّون، وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان!'.

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التهجد وقيام الليل عن يزيد بن نمران قال:قام عمر خطيبا فقال: والله أن الرجل ليشيب عوارضه في الإسلام لا يأتي الله بصلاة تامة فقام إليه رجل يسأله فأشار إليه بيده أن اجلس ثم قال عمر اللهم لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها ولا رغبتها ولا رهبتها. وإسناده ضعيف

قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: 16، 17]

عن ابْن مَسْعُودٍ قَالَ مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ رواه مسلم.

وعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أوَّلُ ما يُرْفَعُ مِنَ النّاسِ الخُشُوعُ ) رواه الطبراني بسند صحيح.

وعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَعْنِي يَبْكِي. رواه النسائي بسند صحيح.

وكان علي رضي الله عنه إذا توضأ ارتجف فإذا سئل عن ذلك قال: الآن أحمل الأمانة التي عرضت على السماء والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها وحملتها أنا.

وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما إذا دخل في الصلاة ارتعش واصفر لونه... فإذا سئل عن ذلك قال: أتدرون بين يدي من أقوم الآن؟

والخشوع في الصلاة هو حضور القلب وسكون البدن والجوارح فإذا فقد المصلي الخشوع فقد بعض ثواب الصلاة، فعَنْ أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ عَبْدٌ حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ رواه مسلم.

وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي رواه البخاري.

 الخميصة: كساء مربع له أعلام والانبجانية: كساء غليظ لا علم له وعن صلاتي: أي عن كمال الحضور فيها، لكن جاء في رواية تدل على أنه لم يقع له شيء من ذلك، وإنما خشي أن يقع، لقوله: ( فأخاف ) ( فكاد ). كما قال ابن حجر

قال ابن كثير: ' الخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها، وحينئذٍ تكون راحة له وقرة عين ومن هنا جاءت كراهية الزخرفة للمساجد والكتابة بها، لانشغال المصلين في النظر إليها.

والوساوس من الشيطان، وهو يجتهد على إغواء المسلم دائما، وحرمانه من الخير، ولما اشتكى أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوسواس في الصلاة، فقال: إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي ' رواه مسلم.

والخشوع في الصلاة مطلوب من العبد المؤمن، فالخشوع في الصلاة كالروح للجسد، ومما يعين على الخشوع 

مجاهدة العبد نفسه في الصلاة، وتدبر القراءة والذكر، واستحضار القلب، واستشعار المناجاة لله تعالى، أن يستشعر العبد أن الله يراه، وكثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات والشهوات، وتعلق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى  دفعها '. كما يقول ابن تيمية في الفتاوى 22/605.

والشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب ' الفتاوى: ابن تيمية 22/608.

من أسباب الخشوع في الصلاة

الخشوع روح الصلاة، ومن لم يذق الخشوع فيها فلا يعرف عظمتها، وعلى قدر الخشوع يكون الأجر، وقد أحاط الإسلام الصلاة بأحكام للحفاظ عليها:

1. اتخاذ السترة للمصلي، وهي من أسباب الخشوع.

2. ترك الاختصار في الصلاة فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا رواه أحمد بسند صحيح.

 3. النهي عن الصلاة بحضرة الطعام وعن أنس بن مالك أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال إذا قُدم العشاء فابدأوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم متفق عليه

4. ترك الالتفات في الصلاة فعن عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ. رواه البخاري

5. عدم رفع البصر إلى السماء فعن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ '. رواه مسلم.

والخلاصة أن الخشوع في الصلاة مطلوب شرعا لكن الناس يتفاوتون فيه

وهل الخشوع في الصلاة ركن من أركانها، أو من كمالها؟

 الصحيح أنه من الكمال لا من الأركان وأن انشغال الفكر اليسير في الصلاة غير قادح فيها، وأنها صحيحة. والله أعلى وأعلم.

       الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية