الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن وليمة العرس واجبة على الزوج شكراً لله، وإعلاما بالنكاح، وتكريماً للناس فعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه.
وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَيَقُولُونَ: مَا رَأيْنَا فِي السَّبْيِ مِثْلَهَا، قال: فَبَعَثَ إِلَى دِحْيَةَ فَأعْطَاهُ بِهَا مَا أرَادَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي فَقَالَ: «أصْلِحِيهَا». قال: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا جَعَلَهَا فِي ظَهْرِهِ نَزَلَ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا القُبَّةَ، فَلَمَّا أصْبَحَ قال: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَأْتِنَا بِهِ». قال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّوِيقِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَاداً حَيْساً، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الحَيْسِ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، قال: فَقَالَ أنَسٌ: فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا. متفق عليه.
حكم الأكل من طعام الوليمة:
ذهب بعضهم إلى أن إجابة الدعوة واجبة، أما الأكل فليس بواجب لكن يستحب الأكل لمن حضر.
ومن دعي وهو صائم، فإن كان صومه واجباً حضر ودعا للزوجين وانصرف، وإن كان صومه تطوعاً فيستحب له الفطر والأكل من الوليمة فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ». أخرجه مسلم.
من يدعى للوليمة:
يسن دعوة الأهل، والأصحاب، والصالحين والفقراء والأغنياء للوليمة، ولا يجوز أن يخص الأغنياء بالدعوة دون الفقراء فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الأغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ المَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ. متفق عليه.
وعَنْ عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». متفق عليه.
وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: أبْصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءً وَصِبْيَاناً مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ مُمتَنّاً فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أنْتُمْ مِنْ أحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ». متفق عليه.
حكم إجابة دعوة العرس:
يرى فريق من أهل العلم وجوب إجابة دعوة وليمة العرس؛ لما فيه من إظهار الفرح والسرور ومجاملة أهل العرس والوقوف معهم ومساعدتهم فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنه أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ؟. متفق عليه.
وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». متفق عليه.
شروط إجابة دعوة العرس:
يشترط لإجابة دعوة العرس ما يلي:
1. أن يكون الداعي مسلماً فلا تجب دعوة غير المسلم.
2. أن لا يكون هناك حرام في مال صاحب الطعام
3. أن لا يوجد منكر في مكان الدعوة
4. أن لا يكون هناك مانع يمنع كمرض أو عمل أو نحوهما..
5. أن تكون التلبية مستطاعة لا سفر لها ولا تكلفة.
حكم حضور الوليمة التي فيها منكر:
من دعي إلى وليمة العرس، وكان هناك منكر لا يقدر على تغييره، فلا يجوز له تلبية الدعوة قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [68]} [الأنعام:68].
وَعَنْ أبِي عَامِرٍ-أوْ أبي مَالِكٍ- الأشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَالله مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ». أخرجه البخاري معلقا.
ما يقال بعد الأكل من الوليمة:
1. اللَّهمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ». أخرجه مسلم.
2. اللَّهمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي». أخرجه مسلم.
3. أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ». أخرجه أبو داود بسند صحيح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله محمد وآله أجمعين
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة