الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فعن عَائِشَةَ، قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلاَمٍ؛ فَقَالَ سَعْدٌ: هذَا، يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هذَا أَخِي، يَا رَسُولَ اللهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَة بِنْتَ زَمْعَةَ فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ. رواه البخاري.
قال ابن حجر: وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر ' أَيْ لِلزَّانِي الْخَيْبَةُ وَالْحِرْمَانُ، وَالْعَهَر بِفَتْحَتَيْنِ الزِّنَا، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِاللَّيْلِ، وَمَعْنَى الْخَيْبَة هُنَا حِرْمَان الْوَلَد الَّذِي يَدَّعِيهِ، وَجَرَتْ عَادَة الْعَرَب أَنْ تَقُول لِمَنْ خَابَ ' لَهُ الْحَجَر وَبِفِيهِ الْحَجَر وَالتُّرَاب ' وَنَحْو ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالْحَجَرِ هُنَا أَنَّهُ يُرْجَمُ، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الرَّجْم مُخْتَصٌّ بِالْمُحْصَنِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ رَجْمِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ، وَالْخَبَر إِنَّمَا سِيقَ لِنَفْيِ الْوَلَد.
(الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) أَيْ لِمَالِكِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِشَانِهَا. وَقَالَ فِي النَّيْلِ: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفِرَاشِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ اِسْمٌ لِلْمَرْأَةِ. وَقِيلَ إِنَّهُ اِسْمٌ لِلزَّوْجِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الْقَامُوسِ: إِنَّ الْفِرَاشَ زَوْجَةُ الرَّجُلِ اِنْتَهَى. فتح الباري لابن حجر (19/ 147)
قال المباركفوري: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يُلْحَقُ بِالْأَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ. وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ إِمْكَانِ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. قُلْت: وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ. تحفة الأحوذي (3/ 236)
والخلاصة أن الولد ينسب إلى أبيه إذا كان هناك عقد صحيح، وأما ولد الزنا فلا ينسب إلى الزاني فليس له حق فيه فماؤه هدر بل له الخيبة، والذل، والعار، والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة