الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | حكم الأسر في الاسلام

اليوم : الأربعاء 29 شوَّال 1445 هـ – 08 مايو 2024م
ابحث في الموقع

حكم الأسر في الاسلام

فتوى رقم: 28
الجواب:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: 'يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ'. سورة الأنفال.

وعندما تشتعل الحروب بين الناس، ينتج عنها القتل والأسر، وتختلف معاملة الأسرى من أمة إلى أمة فقد كان الأسرى عرضة للتعذيب والاضطهاد، وقد قام اليهود بتسخير الأسرى إن ظفروا عليهم بدون حرب، وإذا كان الظفر بالقتال قتلوهم

وقد شرع الأَسْر في الإسلام معاملة بالمثل قال الله تعالى: 'حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا'. سورة محمد.

ولم تعرف البشرية أرحم من الإسلام في مجالي الحرب والسلم فلم تعرف الجاهلية أخلاقيات الحرب ولا حقوق الأسرى التي أرسى دعائمها الإسلام حيث كانت تستباح الحرمات والأعراض ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأسرى، وكان من هديه أن يوصي الجيش بالضعفاء ومنهم الأسرى، فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا. رواه مسلم .

وقرَّر الإسلام وجوب إطعام الأسير قال الله تعالى: 'وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا'. سورة الإنسان 8

 ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسرى يهود بني قُرَيْظة موقوفين في الشمس قال: 'لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا'.

ويقول أبو عزيز بن عمير مرَّ بي أخي مصعبُ بن عمير ورجلٌ من الأنصار يأسرُني، فقال له: شدَّ يديك به؛ فإن أمَّه

ذات متاع وكُنْتُ مَعَ رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ قَفَلُوا، فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا طَعَامًا خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ؛ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ بِنَا، مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ إلاَّ نَفَحَنِي بِهَا؛ قَالَ: فَأَسْتَحِي فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمَا، فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا'.  

ولَمَّا أَسر صلاحُ الدين الأيوبي عددًا من جنود الجيش الصليبي، وكان لا يوجد عنده ما يكفيهم من الطعام - أطلق سراحَهم لئلا يموتوا جوعًا، ورأى أن يقتلَهم محاربين أفضلَ من أن يقتلَهم في الأَسر جائعين.

أما أعداؤنا فإنهم يعاملون الأسرى بكل قسوة ولنستمع إلى الفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون - وهو يوازن بين أفعال قادة الجيوش الصليبيةِ، وفعل صلاح الدين الأيوبي، فيقول: 'كان أولُ ما بدأ به ريكارد أنه قتَل صبْرًا أمام معسكر المسلمين ثلاثةَ آلاف أسيرٍ مسلمٍ سلَّموا أنفسهم إليه بعد أن أعطاهم عهدًا بحقن دمائهم، ثم أطلق لنفسه العِنان باقتراف القتل والسلبِ، وليس من السهل أن يتمثَّل المرء درجةَ تأثير هذه الكبائر في صلاح الدين النبيل الذي رحِم نصارى القدس، فلم يمسَّهم بأذى، والذي أمدَّ فيلب وقلبَ الأسد بالمرطبات والأزواد أثناء مرضهما'.

حكم الأسرى في الإسلام:

1.    ذهب الحنفية إلى أن الإمام مخيَّر بين أمرين: إما القتل وإما الاسترقاق فقط.

2.    ذهب المالكية إلى أن الإمام مخيَّر بين أمور خمسة: القتل، أو الفداء، أو الاسترقاق، أو الجزية، أو المن.

3.    ذهب الشافعي وأحمد إلى أن الإمامَ مخيَّرٌ بين أمور أربعة: إما القتل، وإما الاسترقاق، وإما الفداء بمال أو أسرى، وإما المن.

4.    ذهب بعض التابعين كالحسن البصري وعطاء وغيرهم إلى أن الإمام مخيَّر بين المنِّ والفداء ولا يجوز القتل.

ومن رأى القتل استدل بأدلة منها:

1.    قال الله تعالى: 'فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ' التوبة 5

وهذا دليل عامٌّ يشمل القتل في الحرب أو الأسر. 

2.    قال الله تعالى: 'فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ' الأنفال: 12

3.    أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبةَ بن أبي مُعَيْط، والنضر بن الحارث يوم بدر.

4.    أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل يهود بني قريظة بعد أن أسرهم.  

 والحق أن لوليّ الأمر أن يفعل ما يراه مناسبا وما فيه مصلحة للإسلام.

وهذا الحكم من القتل خاص بالعدو المحارب الكافر أما العدو المسلم إن حصل قتال بين المسلمين وذلك في حال بغى بعضهم على بعض فخرجت طائفة من المسلمين على الإمام فيدعوهم إلى الرجوع للحظيرة فإن أبوا قاتلهم لكن لا يقتل أسيرهم ولا يجهز على جريحهم ويعاملون كمسلمين ويمكن ان يحاكمهم ويقتص منهم فمن قَتل منهم قُتل ومن لم يقتل يعزر وهكذا.

هذه هي بعض أحكام الأسرى وكيف تعامل الإسلام معهم وكيف رحمهم فليعامل الأعداء أسرانا مثلما نعاملهم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

  الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية