الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فتكون الطهارة من الحدثين -الوضوء والغسل- بالماء وهو الأصل، فإذا تعذر استعماله أو قل أو عُدِم، فالتيمم يقوم مقامهما، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6، 7].
فيجب على المكلف الوضوء عند القيام للصلاة باستعمال الماء، وكذا يجب على الجنب والحائض والنفساء الغسل عند النقاء، ولا يجوز الانتقال إلى التيمم إلا عند فقد الماء حسًا، بأن عُدِم أو قل، أو فقد معنىً، وذلك عند عدم القدرة على استعماله بسبب مرض أو نحوه.
وفي ظل ظروف الحرب ينعدم الماء أحيانًا ويقل أحيانًا ويتعذر الغسل أحيانًا أخرى، ففي مثل هذه الظروف نطبق حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [رواه البخاري، رقم 7288، (9/ 94)].
ونطبق القاعدة الفقهية المَيْسُورَ لاَ يَسْقُطُ بِالمَعْسُور وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، ولأنّ المقدور عليه لا يسقط بسقوط المعجوز عنه، والمتعذر يسقط اعتباره، والممكن يستصحب فيه التكليف، فإذا كان هناك ماء كثير وجب استعماله في الوضوء والغسل، وإذا قلَّ الماء بحيث لا يكفي للطهارة والاستعمال الشخصي من إزالة النجاسة ونحو ذلك قدم الاستعمال الشخصي -لأنه لا بديل له- على الطهارة من الحدثين لأن لهما بدلًا وهو التيمم.
كيفية التيمم: أن تضرب كفيك بالأرض –تراب أو حائط– ثم تمسح بهما وجهك قاصدًا الطهارة ثم تضرب ضربة أخرى وتمسح بها يديك إلى المرفقين أو إلى الرسغين (الكفين) فقط.
وتتيمم لكل صلاة إن استطعت، فإن شق عليك التيمم بسبب الخوف واعتمدت التيمم الأول جاز ذلك بشرط عدم نقض التيمم السابق أي لم تحدث من نحو بول أو غائط، فيجوز عندها الصلاة بالتيمم السابق، والأفضل أن تتيمم لكل صلاة عند القدرة على ذلك؛ خروجًا من خلاف من أوجب ذلك.
وأحيانًا يوجد مجموعات من الناس ذكورًا وإناثًا في أماكن الإيواء، فيشق الغسل على الجنب والحائض والنفساء بسبب قلة الماء أو عدمه أو ضيق المكان أو عدم تهيئته للغسل، فيجوز عندها التيمم والصلاة به إلى أن يتيسر الأمر وتهيأ الظروف للغسل، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة