الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | هل يجوز دفع ثمن عملية جراحية لمريض محتاج أو فئة فقيرة من أموال الزكاة لأجل إجرائها في إحدى المشافي الخاصة ... نرجو الإجابة على هذا السؤال لأهل الخير

اليوم : الأربعاء 29 شوَّال 1445 هـ – 08 مايو 2024م
ابحث في الموقع

هل يجوز دفع ثمن عملية جراحية لمريض محتاج أو فئة فقيرة من أموال الزكاة لأجل إجرائها في إحدى المشافي الخاصة
... نرجو الإجابة على هذا السؤال لأهل الخير

فتوى رقم: 1193
الجواب:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فيقول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة :60].

فهذه مصارف الزكاة وهي ثمانية منها:

الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، هذه مجموعة استخدم فيها حرف الجر 'اللام'، والتي تفيد التمليك، والمجموعة الأخرى، وهي الرقاب، وَالغارمون وفي سبيلِ اللَّهِ، وَابن السَّبيلِ، وقد استخدم فيها حرف الجر 'في'، والتي تفيد الوعاء وعليه فالأصناف الأربعة الأولى يملكون الزكاة، والأصناف الأخرى يستحقونها، فتصرف عليهم.

 وقد اختلف المفسرون في المراد بقوله: 'وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ' على أقوال أشهرها:

1. 'في سبيل الله' المجهود الحربي فقط أي الجهاد في سبيل الله.

2. 'في سبيل الله' الجهاد، والحج والعمرة.

3. 'في سبيل الله' المصالح العامة، كبناء المستشفيات، والمدارس، والمعاهد، ومساعدة الجمعيات الخيرية، بالإضافة إلى المجاهدين، وكل ذلك بشرط أن تنتظم الزكاة الأصناف الثمانية، بحيث لا يطغى صنف على الآخر إلا لضرورة.

والراجح أن المراد بقوله: وفي سبيل الله الجهاد في سبيل الله، بالإضافة إلى المرافق العامة التي تنفع المسلمين، باستثناء المساجد والمستشفيات، لأنها من اختصاص وزارة الوقف والصحة، ولا يجوز صرف مال الزكاة عليهما إلا لضرورة.

أما طلاب العلم، والمرضى، والدعاة، فيعطون من الزكاة إذا كانوا محتاجين، وكأن صنفين من المصارف انتظمتها وهي الفقر، أو المسكنة، وأيضا في سبيل الله.

أما أن يعطى المريض، وهو غني، فلا يجوز، فإن احتاج جاز، وكذا طالب العلم لا يجوز أن يأخذ من مال الزكاة إلا إذا كان محتاجا.

وعليه فيجوز إعطاء المريض الذي يحتاج إلى إجراء عملية جراحية مثلا من مال الزكاة والصدقة، وللمعطي الأجر والثواب من الله تعالى، حيث ينطبق عليه قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]

ولعل الذي حدا بي إلى ترجيح ذلك أدلة، منها:

1. {عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا وَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا وَقَالُوا لِلَّذِي وُجِدَ فِيهِمْ قَدْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا قَالُوا مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا فَانْطَلَقُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلًا فَقَالَ الْكُبْرَ الْكُبْرَ فَقَالَ لَهُمْ: تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ قَالُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ قَالَ: فَيَحْلِفُونَ قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ} [رواه البخاري (9/9) رقم6898].

 ولا شك أن الصلح بين الناس من أفضل الأعمال، وهو من المصالح العامة.

2. سبق أن ذكرت التغاير بين حرفي الجر في آية المصارف، حيث جاء حرف الجر 'الام' مع الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، والتي تفيد التمليك وجاء حرف الجر 'في' مع الرقاب، وَالغارمين، وفي سبيلِ اللَّهِ، وَابن السَّبيلِ، والتي تفيد الوعاء، فيكون المعنى تملك الأصناف الأربعة الأولى الزكاة، واستحقاق الأصناف الأخرى للزكاة، فتصرف عليهم.

لهذين الدليلين وغيرهما أقول: لا مانع من إعطاء المريض الفقير من مال الزكاة للعلاج، أو إجراء عملية جراحية، أو ما شابه، والله أعلى وأعلم.

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية