الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فصلاة التطوع قسمان:
القسم الأول: ما يستحب فيها الجماعة، وذلك كصلاة التراويح، والكسوف، والعيدين، والاستسقاء، فالأصل في هذه الصلوات الجماعة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: ما لا يستحب فيها الجماعة، وذلك كالسنن، ورواتب الصلوات، وسنة الضحى، وتحية المسجد، وقيام الليل، فهذه الصلوات ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعلها في جماعة، لكن يجوز فعلها في جماعة أحيانا بشرط ألا تتخذ عادة،
فإن اتخذت عادة أصبحت بدعة لمخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يدل على جواز فعلها جماعةً أحياناً أحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم منها:
1. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: {صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى وَرَقَدَ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ} [رواه البخاري (1/146) رقم 726].
2. عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ السُّيُولَ لَتَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَأُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَكَانٍ مِنْ بَيْتِي أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَفْعَلُ فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ}[رواه النسائي بسند صحيح (2/105) رقم 844].
قال ابن قدامة رحمه الله: {يجوز التطوع جماعة وفرادى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما، وكان أكثر تطوعه منفردا، وصلى بحذيفة مرة، وبابن عباس مرة، وبأنس وأمه واليتيم مرة، وأم أصحابه في بيت عتبان مرة، وأمهم في ليالي رمضان ثلاثاً، وهذه الأخبار كلها صحاح جياد} [ابن قدامه: المغني1/442].
وذهب علماء الحرمين إلى أن الاجتماع لقيام الليل غير مشروع إلا:
1- أن يقع ذلك أحياناً، ولا يكون شيئاً مستمراً.
2- أن يكون من غير اتفاق مسبق.
وأما في رمضان فيشرع قيامه جماعة في كل ليالي الشهر.
وصلاة النوافل جماعة في هذه الأحاديث وقعت من غير اتفاق مسبق.
والراجح والله أعلم أنه تجوز الجماعة لقيام الليل أحياناً وباتفاق بين المصلين على ألا تتخذ عادة، ومن غير تحديد يوم معين، والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة