الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | حكم من مات وعليه صيام، هل لوليه الصيام عنه؟

اليوم : السبت 16 محرَّم 1447 هـ – 12 يوليو 2025م
ابحث في الموقع

حكم من مات وعليه صيام، هل لوليه الصيام عنه؟

فتوى رقم: 1158
الجواب:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فإذا مات المرء وعليه قضاء صيام واجب، كصيام رمضان، أو النذر أو الكفارة، فله حالتان:

الحالة الأولى- أن يموت قبل التمكن من القضاء لعذر كمرض أو سفر، فلا يجب على أوليائه القضاء أو الإطعام عنه، في قول أكثر أهل العلم. [المجموع (6/ 372)].

وقيل: يجب على أوليائه الإطعام عنه إن كان له تركة فإن لم يكن له تركة فلا يجب عليهم بل يستحب الصيام عنه أو الإطعام.

الحالة الثانية- أن يموت بعد التمكن من القضاء ولم يقض:

واختلف الفقهاء في هذه الحالة على قولين:

القول الأول- يجب على وليه أن يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا، ولا يجوز الصيام عنه، أوصى بذلك أم لم يوص سواء في ذلك قضاء رمضان أم النذر أو الكفارة وهذا ما ذهب إليه ابن عمر وعائشة، والمالكية، والشافعية في المعتمد.

واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

1-           عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا». [رواه الترمذي بسند ضعيف (3/87) رقم 718] وصحح الترمذي وقفه على ابن عمر، ولا يصح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وجه الدلالة: النص الصريح على وجوب الإطعام عن الميت وقوله: (وعليه صيام) مطلق سواء أكان صوم رمضان أم نذر أم كفارة.

2-           قال ابن عباس: «لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ». [رواه النسائي بسند صحيح (3/ 257) رقم 2930].

وجه الدلالة: عدم جواز الصيام عن الميت ووجوب الإطعام.

3-           الصوم عبادة بدنية لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك بعد الموت كالصلاة.

القول الثاني- وجوب الإطعام في حال النذر فقط إن كان الناذر أوصى به، ويكون الإطعام من ثلث تركته إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فلا يجب عليهم

أما إذا لم يوص فلا يجب عليهم بل يجوز فقط ذهب إلى هذا القول الحنفية.

وقال الحنابلة بوجوب الإطعام فيمن وجب عليه قضاء رمضان فقط.

أما في النذر فيستحب ولا يجب

القول الثالث- يستحب للولي أن يصوم عنه ولا يجب، سواء أوصى بذلك أم لم يوص، ذهب إلى هذا القول ابن عباس والشافعي في القديم وجزم بصحته النووي وبعض الشافعية، وابن حزم.

واستدلوا على ذلك بأدلة:

1-           عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». [رواه البخاري (3/35) رقم 1952].

وقالوا: إن لفظ الصيام في الحديث عام، يشمل كل صيام واجب من قضاء، أو نذر، أو كفارة.

وقالوا إن النذر يشبه الدين في كونه التزامًا في الذمة، فوجب على ولي الميت أن يصوم عنه، كما يقضي الدين عنه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ» [رواه مسلم (2/ 804) رقم 1148].

ووجه الدلالة واضح، وهو أنه يجب على ولي من مات وعليه صوم منذور أنه عليه أن يصوم عنه.

قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّةَ -رحمه الله-: {فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ يُصَامُ عَنْ الْمَيِّتِ مَا نَذَرَ، وَأَنَّهُ شَبَّهَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ} [مجموع الفتاوى (24/ 310)].

وأما صرف هذا الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، فقال ابن قدامة -رحمه الله-: {إنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ تَرِكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَى وَارِثِهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْضَى عَنْهُ، لِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ، وَفَكِّ رِهَانِهِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا}[ المغني (6/ 143)].

الرأي الراجح:

الراجح -إن شاء الله- القول بجواز الصيام عن الميت، سواء صيام نذر، أو قضاء، أو كفارة؛ لعموم حديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». [رواه البخاري (3/35) رقم 1952].

لذلك من مات وعليه صيام من رمضان، وتمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات، فيستحب لوليه أن يصوم عنه، وإلا فيطعم عن كل يوم مسكينًا من غير حرج.

والمقصود بالولي الذي هنا القريب مطلقاً، فليس شرطًا أن يكون الولي من ورثته، ويجوز أن يصوم عنه أجنبي بإذن الولي. [شرح النووي على مسلم (4/ 144)].

 وليس شرطًا أن يقع الصيام من ولي واحد، فلو كان على الميت عدد من الأيام، فتقاسم الأولياء هذه الأيام بينهم، جاز ذلك، ولو وقع صومهم في يوم واحد، يقول الحسن البصري -رحمه الله-: {إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاَثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ} [رواه البخاري (3/ 35) في مقدمة بابه من مات وعليه صوم].

والخلاصة أن المرء إن لم يتمكن من القضاء حتى مات فلا يجب شيء على أوليائه، أما إن تمكن من القضاء ولم يقض، فالراجح أن يستحب لأوليائه الصوم عنه، وإلا فيجب أن يطعموا عن كل يوم مسكينًا. والله أعلى وأعلم.

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية