الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا. [رواه مسلم (4/ 2055) رقم 2670]
والمتنطعون: جمع متنطع اسم فاعل
هلك المتنطعون: أي المتعمقون المتقعرون في الكلام المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم، الغالون في التأويل، العادلون عن ظواهر الشرع بغير دليل، كالباطنية، وغلاة الشيعة.
وقال في النهاية: المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل تعمق قولاً وفعلاً.
وقال الغزالي أولئك قوم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ. [رواه البخاري (1/16) رقم 39].
والخلاصة أن الدين يسر فإذا أردت تحريم شيء على نفسك وهو حلال فهذا من باب التنطع وإذا كان في الأمر سعة وضيقت واسعا فأنت متنطع لكن إذا أردت تطبيق السنة فهذا غير تنطع بل هو مطلوب ومن أراد تطبيق الدين فليس من باب التنطع ومن أهلك نفسه أو أرهقها من غير إعطائها حقها فقد تنطع فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قُلْتُ فُلَانَةُ لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا فَقَالَ مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا. [رواه البخاري (2/54) رقم 1151]
فالتنطع لا يكون إلا في شيء حلال حرمته أو حرام أحللته ومن تتبع سقطات العلماء بكثرة أسئلتهم على سبيل الإحراج فكل ذلك من التنطع. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة