الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | ما جاء في شهر رجب

اليوم : السبت 18 شوَّال 1445 هـ – 27 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

ما جاء في شهر رجب

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى أمَّا بعد،

فيقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36].

 والأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان كما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، لأن بعض العرب كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا؛ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مَضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. رواه البخاري مسلم.

وسمي رجب بهذا الاسم لأنه كان معظماً في الجاهلية وفي الإسلام وكلمة رجب جاءت من الرجوب بمعنى التعظيم وكان يطلق عليه رجب 'مضر' لأن قبيلة مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم.

 وللأشهر الحرم فضل عظيم عند الله فقد فضلها على سائر الأشهر.

قال ابن عباس -رضي الله عنها: خص الله من شهور العام أربعة أشهر فجعلهن حرماً وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم.

وعن قتادة قال: [ الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم في كل حال عظيماً ولكن الله يعظم من أمره إن شاء فإن الله تعالى اصطفى صفايا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً واصطفى من الكلام ذكره-جل وعلا-واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالي ليلة القدر فعظموا ما عظم الله إنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم والعقل ].

ما قيل في فضائل شهر رجب وبدعه

وردت أحاديث كثيرة في فضل هذا الشهر، ضعيفة أو موضوعة!

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: 'لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة'.

وقال أيضاً: 'الأحاديث الصريحة الواردة في فضل رجب أو فضل صيامه أو صيام شيء منه تنقسم إلى قسمين: قسم ضعيف، وقسم موضوع'!

منها:

1-   إن في الجنة نهراً يقال له رجب.. إلخ. ضعيف.

2-   عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ، قَالَ: ' اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ، وَشَعْبَانَ، وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ » رواه أحمد بسند ضعيف.

3-   رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. باطل.

4-   من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة... إلخ.. موضوع.

من البدع في شهر رجب

1-   الإسراء والمعراج: يعتقد الكثيرون أن الإسراء وقع في شهر رجب وهذا غير دقيق حيث ذكر أكثر من واحد من المحققين أن الإسراء لم يكن في رجب كالعلامة أبي شامة حيث قال - رحمه الله -: 'ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب؛ وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب!!

 وقال الإمام أبو إسحاق الحربي: أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول'. أهـ.

وقال ابن حجر: 'إن الخلاف في تحديد وقته يزيد على عشرة أقوال! منها أنه وقع في رمضان، أو في شوال، أو في رجب، أو في ربيع الأول أو في ربيع الآخر. 

وبين شيخ الإسلام ابن تيمية أن ليلة الإسراء والمعراج لم يقم دليل معلوم على تحديد شهرها أو عشرها - أي في العشر التي وقعت فيه - أو عينها، يعنى نفس الليلة'. أهـ. 

ومما لا شك فيه أن ليلة القدر ليلة عظيمة القدر مجهولة العين ومع ذلك لم تحدد!

2-   اختراع صلاة في أول ليلة جمعة من رجب يسمونها صلاة الرغائب وهذه صلاة باطلة مبتدعة.

3-   تخصيص أيام من رجب بالصيام، وقد ثبت أن عمر -رضي الله عنه-، كان يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام، ويقول: ما رجب؟ إن رجباً كان يعظمه أهل الجاهلية، فلما كان الإسلام ترك. مصنف ابن أبى شيبة (2 / 345 ).

وما فعله عمر هو بمن يعتقد أن لصيامه ميزة أو خشية أن يعتقد الناس سنيته عن رسول الله ﷺ أما من أراد صيام أيام منه على أنه من الأشهر الحرم فلا بأس به.

قال الإمامُ النّوويُّ رحمه الله: « وَلَمْ يَثْبُت فِي صَوْمِ رَجَبٍ نَهْيٌ وَلا نَدْبٌ لِعَيْنِهِ، وَلَكِنَّ أَصْلَ الصَّوْمِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، النّوويُّ شرح صحيح مسلم (8/39)

4-   تخصيص رجب بالصدقة لاعتقاد فضله، والصدقة مشروعة في كل السنة.

5-   تخصيص رجب بعمرة يسمونها (العمرة الرجبية)، والعمرة مشروعة في أيام العام كله، ولم يثبت أن النبي ﷺ اعتمر في رجب ولا أنه حث على العمرة فيه.

ولا بد للمسلم أن يكون وقافاً عند أوامر الشرع ونواهيه وأن يتبع ولا يبتدع؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31 - 32 ]'. اهـ.

وعليه فشهر رجب شهر من الأشهر الحرم، التي عظمها أهل الجاهلية، وعظمها الإسلام، ولا حرج من صيام شهر رجب، أو أيام منه، لا على أن فيه فضلا وميزة لذاته، بل لأنه من الأشهر الحرم، ولا بأس بمن أراد أن يتصدق فيه، لا لميزة لذاته، بل لأنه من الأشهر الحرم التي تضاعف فيها الأجور. والله أعلى وأعلم.

                                 الشيخ عبد الباري بن محمد خلة 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية