الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | سجود الشكر لا صلاة الشكر

اليوم : الخميس 23 شوَّال 1445 هـ – 02 مايو 2024م
ابحث في الموقع

سجود الشكر لا صلاة الشكر

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أمَّا بعد:

فمن السنة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجدة الشكر عند حدوث نعمة، أو اندفاع نقمة، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بِهِ، خَرَّ سَاجِدًا شُكْرًا للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» [رواه ابن ماجه بسند حسن].

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ-رضي الله عنه-، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَقَتِهِ فَدَخَلَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَخَرَّ سَاجِدًا، فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبَضَ نَفْسَهُ فِيهَا، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» قُلْتُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَجَدْتَ سَجْدَةً خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَبَضَ نَفْسَكَ فِيهَا، فَقَالَ: ' إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَتَانِي فَبَشَّرَنِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرًا» [رواه أحمد بسند حسن].

قال النووي – رحمه الله-:

«سجود الشكر سنة عند مفاجأة نعمة، أو اندفاع نقمة، من حيث لا يحتسب، وكذا إذا رأى مبتلى ببلية، أو بمعصية». [روضة الطالبين (1/ 324)].

وعَنْ أَبِي عَوْنٍ-رضي الله عنه- قَالَ: «سَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ جَاءَهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ» [رواه عبد الرزاق في المصنف].

وفي البخاري ومسلم أن كعب بن مالك-رضي الله عنه- لما بشر بتوبة الله عليه، خر ساجدًا شكرًا لله تعالى.

أما صلاة الشكر فقد أنكرها جمهور الفقهاء، وأجازها بعضهم معتمدين على بعض الأحاديث التي لم تسلم من الضعف، أو الاحتمال كصلاته -صلى الله عليه وسلم- ثماني ركعات يوم الفتح شكرًا لله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: «وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ عِنْدَ فَتْحِ مَدِينَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ شُكْرًا لِلَّهِ وَيُسَمُّونَهَا صَلَاةَ الْفَتْحِ» [مجموع الفتاوى (17/ 474)].

وقال ابن القيم -رحمه الله-:

«ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- دَارَ أُمّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ فَاغْتَسَلَ وَصَلّى ثَمَانيَ رَكَعَاتٍ فِي بَيْتِهَا وَكَانَتْ ضُحًى فَظَنّهَا مَنْ ظَنّهَا صَلَاةَ الضّحَى، وَإِنّمَا هَذِهِ صَلَاةُ الْفَتْحِ وَكَانَ أُمَرَاءُ الْإِسْلَامِ إذَا فَتَحُوا حِصْنًا أَوْ بَلَدًا صَلّوْا عَقِيبَ الْفَتْحِ هَذِهِ الصّلَاةَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي الْقِصّةِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا بِسَبَبِ الْفَتْحِ شُكْرًا لِلّهِ عَلَيْهِ فَإِنّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُهُ صَلّاهَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» [زاد المعاد (3/ 356)].

ولا شك أن هذه الصلاة هي صلاة الفتح والنصر وليست صلاة الشكر وإن كان معناها الشكر فهي خاصة بالنصر ولا يقاس عليها غيرها مع أن هذه الصلاة كانت صلاة الضحى وسميت صلاة الفتح ولم تسم صلاة الشكر، فعن أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنها - «أَنَّهُا لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَت رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى غُسْلِهِ، فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ، فَالْتَحَفَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى» [رواه مسلم].

وبناء على ما سبق ذهب الجمهور إلى عدم مشروعية صلاة الشكر وهو الحق؛ أما سجدة الشكر فسنة.

ما يقال في سجود الشكر:

لم يرد في سجود الشكر ذكر خاص، بل يقول ما يقوله في سجود الصلاة من التسبيح يقول: سبحان ربي الأعلى.

ولو قال: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» فذلك حسن، ثم يدعو بما شاء.

هل الطهارة شرط في سجود الشكر؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: يشترط في سجود الشكر الطهارة كالصلاة ذهب إلى هذا القول جمهور الفقهاء، قال النووي-رحمه الله-: «يفتقر سجود الشكر إلى شروط الصلاة» [المجموع (4/ 77)].

القول الثاني: لا يشترط في سجود الشكر الطهارة ذهب إلى هذا القول بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والصنعاني -رحمهم الله- وغيرهم، قال الصنعاني رحمه الله-: «وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: يُشْتَرَطُ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ» [سبل السلام (2/ 237)].

والصواب أنه لا يشترط لسجود الشكر طهارة فهو ليس صلاة ولم يرد دليل يدل على اشتراط الطهارة له، ولو كانت الطهارة شرطاً لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما يقول الأصوليون.

قال ابن القيم -رحمه الله-: «...سُجُود الشُّكْر مُسْتَحَبّ عِنْد تَجَدُّد النِّعَم الْمُنْتَظَرَة، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ السُّنَّة عَنْ النَّبِيّ بِفِعْلِهِ فِي مَوَاضِع مُتَعَدِّدَة وَكَذَلِكَ أَصْحَابه مَعَ وُرُود الْخَبَر السَّارّ عَلَيْهِمْ بَغْتَة، وَكَانُوا يَسْجُدُونَ عَقِبه، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِوُضُوءٍ، وَلَمْ يُخْبِرُوا أَنَّهُ لَا يُفْعَل إِلَّا بِوُضُوء، ٍوَمَعْلُوم أَنَّ هَذِهِ الْأُمُور تَدْهَم الْعَبْد وَهُوَ عَلَى غَيْر طَهَارَة فَلَوْ تَرَكَهَا لَفَاتَتْ مَصْلَحَتهَا» [حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (1/ 69)]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية