الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | الغفلة

اليوم : الخميس 18 رمضان 1445 هـ – 28 مارس 2024م
ابحث في الموقع

الغفلة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ' [آل عمران:102]

'يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً' [النساء:1]

'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً'    [الأحزاب:70-71]

أما بعد

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

قال الله تعالى ' وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ' (الذاريات 56 -57)

وقال الله عز وجل في الحديث القدسي ((... يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)) (رواه مسلم)

و العبادة اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. فلا بد من العبادة والطاعة من صلاة وصيام ودعاء وغيرها.

وقال الله تعالى: ' اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ * ما يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ' (الأنبياء:1 ), فهذه غفلة عن الله تعالى فإن الحساب يقترب والناس في غفلة!! والآيات تتلى، وهم معرضون، لأنهم في غارقون.

في اللهو واللعب ' لاهية قلوبهم ' القلوب غافلة لاهية عن الله الدنيا أوحلت في قلوب الناس ' والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لابن عمر رضي الله عنه: كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ' قال: فكان ابنُ عُمَرَ يقولُ: 'إذا أصبَحْتَ فلا تنتظِرِ المساءَ وإذا أمسَيْتَ فلا تنتظِرِ الصَّباحَ وخُذْ مِن صحَّتِكَ لِمرضِكَ ومِن حياتِكَ لِموتِكَ'. رواه البخاري

ويقول الله تعالى في وصف الدنيا: (( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا  * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا * وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) الكهف:45-49   

فهذا مثل ضرب للدنيا ماء نزل من السماء فأحيا الأرض وانبتت حتى إذا اشتد عوده وقوي بدا ييبس وتذروه الرياح وكذلك الدنيا تكبر وتكبر ثم أخيرا تفنى ولا يبقى إلا الأعمال الصالحة.

تذكر وقوفك يوم العرض عُريانا            مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

والنار تلهبُ من غيظ ومن حنقٍ           على العصاة ِ ورب العرش غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدُ على مهلً               فهل ترى حرفاً غير ما كانا

فلما قرأت ولم تنكر قراءته         وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل خذوه يا ملائكتي             وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا

المشركون غدا في النار يلتهبون           والموحدون بدار الخلد سكانا

وعن عمر بن عوف الأنصاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:' ما الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ' أخرجه البخاري.

 ما كان الخوف من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على فقر وضيق بل الخوف من بسط الدنيا والجري خلفها واستدلالها للناس. فهي مهلكته, والله تعالى يقول: ' اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ' الحديد 20. هذه هي الدنيا لعب ولهو وزينة وجمع أموال ومفاخرة بها ومهما علت هذه الأشياء فان مصيرها إلى زوال واستمع إلى قول الله تعالى ' وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ' طه 124

فالشقاء ثمرة الضلال، والضنك ثمرة الإعراض فمن ضل في الدنيا شقي يوم القيامة ومن اعرض عن الإسلام كان له الضنك والشدة.

أيها الأحبة: أليس عجيباً أن يعرض المسلم عن الله ؟! لماذا

أيها الأحبة: أليس عجيباً أن يقضي المسلم جُلَ عمره في غفلة عن الله ؟! رغم كثرة نعم الله تعالى عليه

ويظن بعض الناس أن الله تعالى إذا أنعم عليه بهذه النعم انه يحبه، ولولا رضاه عنه ما أنعم عليه، مع أنه مقيم على المعاصي، مقصر في الطاعات، ولم يدر هذا الغافل أن هذا استدراك له فعن عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم قال: 'إذا رَأيْتَ الله تعالى يُعْطي العَبْدَ مِنَ الدُّنْيا ما يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ على مَعاصِيهِ فإِنَّما ذلك منهُ اسْتِدْراجٌ' ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى ' فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 'الأنعام 44 -45 رواه أحمد بسند حسن

فيا أيها المسلمون إن الله لا تكونوا كالذين نسوا القران والذكر والإسلام والإيمان فان من نسي ذلك قطع الله دابره مهما فتح عليه في الدنيا انه الاستدراج.

استمع إلى قول الله تعالى (( إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ  * أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ )) يونس: 7

من رضى بالدنيا واطمأن لها فهو في غفلة عن الله وعن، لقاء الله فهو لا يفكر في لقاء الله لأنه رضى بالحياة الدنيا واطمأن بها لأنه عمَرَ دنياه وخرَب أخراه !! لأنه عاش بعيدا عن الله وعن منهج الله فلا يرضى أن ينتقل من العمران إلى الخراب.

ولما عَمَرنا الدنيا وخَرًبنا الآخرة خشينا الموت وكرهناه ولم نعمل للدار الآخرة فتلك هي الغفلة عن الله وعن منهج الله. استمع إلى القرآن وهو يتلى.

قال الله تعالى:' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ *وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ' (الحشر 18: 20).

لا تكونوا كأولائك الذين نسوا الله نسوا آياته نسوا أحكامه فيوم القيامة يكون الجزاء من جنس العمل تساهم أنفسهم وهل يمكن للإنسان أن ينسى نفسه إنها الغفلة.                                       

من الناس من يغتر بحلم الله عليه، فيظلم الناس ويصد عن سبيل الله وعن دعوة الحق، ويرتكب المعاصي والذنوب لكن الله سبحانه يمهله فيظن انه لم يرتكب ذنبا عظيماً ونسى أن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل فعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال 'إنّ الله تعالى لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حتى إذا أخَذَهُ لم يُفْلِتْهُ وقرأ المصطفى قول الله جل وعلا ' وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ' (هود: )102 أخرجه البخاري

ومن الناس من ينصرف إلى الدنيا، ويجعلها كل همه ويسعى لها على حساب الآخرة !! وهؤلاء يدعون حسن الظن بالله، ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، وهؤلاء لا يعرفون لله طريقاً وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا نُصحَوا لا ينتصحون قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ). رواه الترمذي بسند صحيح.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ في جَهَنَّمَ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ يَاابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ، هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَالله يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُصْبَغُ في الجَنَّةِ صَبْغَةً فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ، هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَالله يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ) أخرجه مسلم.

ولو أن الناس آمنوا ولم يكفروا ولم يجحدوا ولم تقع لهم الغفلة لأغدق الله تعالى عليهم كل خير من بركات السموات والأرض كما يقول الله تعالى: ' وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ' الأعراف:96

وقال الله تعالى 'فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * ما لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا  'نوح 10.

إن الاستغفار سبب في الأرزاق والأموال لكن الغفلة توجب عدمها فليستغفر الإنسان ربه ولا ينسى ذكره ولا يغفل عن الله.

ما لكم لا توحدون الله ما لكم لا تعبدون الله وقد حذر الله تعالى من الدنيا والغفلة عن الآخرة فقال سبحانه وتعالى: (( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ))

شغلتكم الدنيا و نعيمها فلم تنتبهوا إلا وأنتم موتي زاركم الناس لا بقاء للدنيا فلماذا الغفلة.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(( لَوْ كانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ)) أخرجه الترمذي بسند حسن.

فالدنيا مزرعة للآخرة، وقد ذم القرآن والسنة الدنيا لم يذم زمانها أو مكانها أو ما فيها

لما يُرتكب فيها من معاصي والذنوب لما يغضب الله سبحانه هذا هو المذموم

قال الإمام علي بن طالب رضي الله عنه: لا الدنيا دار صدِقٍ لمن صَدَقَهَا، ودار غنى لمن تزود عنها، ودار نعيم لمن فهم عنها فهي مهبط وحي الله وفيها مصلى أنبيائه وهى متجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة وكسبوا فيها الجنة.

والمذموم من الدنيا هو الرضا بها والغفلة عن الآخرة كما يقول الله تعالى {رَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يونس: 7]

غفلوا عن الآخرة !! ونسوا الجنة والنار والصراط والحشر وغير ذلك.

نسوا كل ذلك كما قال الله تعالى:(( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )) (هود: 105: 108).

وهكذا أيها الإخوة والأخوات نرى الدنيا والآخرة الدنيا دار فناء وعمل والآخرة دار بقاء وحساب يحاسب كل واحد على عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر والمسلم ينعم في الدنيا ويتمتع بها كأي إنسان لكنه لا يغفل عن الله واليوم الآخر فإذا عمل الإنسان للدنيا ولم ينسى الآخرة فذلك هو الحق والصواب وإذا لم يعمل للآخرة فان ذلك دليل على انطماس نور الإيمان من القلب هذا وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

         الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية