الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | العفة في المال والأعمال

اليوم : الجمعة 9 ذو القعدة 1445 هـ – 17 مايو 2024م
ابحث في الموقع

العفة في المال والأعمال

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾. البقرة

فالعفة هي الابتعاد عن جمع المال بطرق الحرام.

والقناعة هي الرضى بالقليل والاستغناء به عن الحرام.

وقد جبل الإنسان على حب المال، والرغبة في تحصيله، فهو مجلبة لملذات الحياة والتي قد تدفع الإنسان على كسب المال بشتى الطرق وإن كانت بطرق غير مشروعة، فيكون الظلم والغش وأكل الحرام.

وهنا تتدخل العفة وتنساق النفس لتعاليم الدين والأخلاق في تحصيل المال.

وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على العفة والقناعة في المال أذكر بعضا منها:

1.    عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ. أخرجه البخاري

2.     عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ. أخرجه البخاري

3.    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ. رواه مسلم

4.    عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلكِنِ الْمِسْكِينُ لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ. أخرجه البخاري

5.    عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ. رواه مسلم

وقد ذكر الحكماء القناعة وتغنوا بها ومن ذلك:

1.    'هي القناعة فالزمها تعش ملكا            لو لم يكن فيك الا راحة البدن

  وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها               هل راح منها بغير القطن والكفن'

2.    'إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد؛ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر؛ وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء قطُّ إلا أغناك الله عنه

3.    'خير الغنى القنوع وشر الفقر الخضوع'.

4.    'ثلاث من كن فيه كمل عقله: من عرف نفسه، وملك لسانه، وقنع بما رزقه الله'.

فلا بد للمسلم أن يبحث عن الحلال ويجتهد فيه ويبتعد عن الحرام بل وعن الشبهات

فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ' أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ' رواه مسلم

فالمال الحرام سبب لمنع إجابة الدعاء.

وعن كَعْب بْن عُجْرَةَ قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا. رواه أحمد بسند قوي

وعَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البخاري

ومن الحرام تعاطي الربا، والحلف بالله زوراً وأخذ الرشوة، وغش الناس والتدليس عليهم في المعاملات، والكذب في البيع والشراء.

إننا في زمان لا يبالي كثير من الناس جمع المال من الحرام أو الحلال.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ رواه البخاري.

إن المال الحرام يقّسي القلب ويطفئ نور الإيمان ويضعف الدين، ويمنع إجابة الدعاء

ولذا كان السلف رضوان الله عنهم يجتهدون في أكل الحلال والابتعاد عن الحرام

فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان لا يأكل إلا من كسبه وفي يوم من الأيام جاءه غلامه بشيء فأكل منه ثم قال الغلام لأبي بكر أتدري ما هذا، فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لرجل في الجاهلية فأعطاني فأدخل الصديق أصبعه في فيه وجعل يقيئ حتى ظن أن نفسه ستخرج.

ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ فقال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء.

ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب، وشبهتها عتاب.

وهكذا فنعم المال الصالح في يد الرجل الصالح والمال الحرام يدمر صاحبة ويجعله أعمى يوم القيامة ويجعل حياته في الدنيا نكدا وضنكا وأما المال الحلال فإن فيه البركة والعفاف وكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به أسأل الله تعالى أن يطهر أموالنا وتسخرها فيما يحب ويرضى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

             الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية