الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | أثر الذنوب والمعاصي على العبد

اليوم : الأحد 26 شوَّال 1445 هـ – 05 مايو 2024م
ابحث في الموقع

أثر الذنوب والمعاصي على العبد

أثر الذنوب والمعاصي على العبد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } [الأحزاب: 70] أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

فيا أيها الإخوة والأخوات الذنوبُ والمعاصي من أعظم الأضرار على العباد وكل شرٍّ في الدنيا والآخرة أساسُه تلك الذنوب والمعاصي.

والذنوبُ والمعاصي سبب لنزول النعم ولها أضرار سيئة وأثار سوداء فهي تسبب الفقر.

ومن أضرار الذنوب والآثار السيئة للمعاصي أنه يعود على الناس كافة، ويضرّ بالمجتمعَ عامة.

فمن تلك الأضرار البالغةِ والآثار السيئة أن المعاصي سببٌ لحرمان الأرزاق، فعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:' إنّ الرَّجُلَ ليُحْرَمُ الرِّزْقَ بالذَّنْبِ يُصِيبُهُ' رواه أحمد بسند حسن

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق).المعاصي سبب في تعسير الأمور، في الفقر في إغلاق الطرق أمام مرتكبيها أما الطائع البعيد عن المعاصي القريب من ربه سبحانه فإن الله ييسر أمرة.

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّه بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق: 2، 3] وقال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4].

ثم إن المعاصي والذنوب سببٌ لهوان العبد على ربّه وبغضه إياه وعدم المبالاة به، قال الحسن البصري رحمه الله 'هانوا عليه فعصوه، ولو عزُّوا عليه لعصمهم'. وإذا هان العبدُ على الله تعالى فإن الله يكرهه وجبريل والملائكة والناس في الأرض كذلك قال الله تعالى : {وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} [الحج:18]. إذا أهانك مولاك فلن تجد من يكرمك, فاقترب من الله وكن معه يكن معك وإن الأمة الإسلامية إذا فشت فيها المعاصي وانتشرت الذنوبُ كانت الذلة والإهانة أمام أعدائها. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : بُعِثْت بَيْنَ يَدَيَ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي , وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ. رواه أحمد بسند ضعيف، وأما العزة فهي لله ورسوله والمؤمنين قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر:10]. ومن يعزه الله يعزه الناس.

وعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ' يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ' رواه أحمد بسند حسن، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ». رواه أبو داود بسند صحيح.

 ومن آثار الذنوب والمعاصي فساد العباد والبلاد ووجود الظلم في المجتمع قال الله تعالى: { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ في ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيدي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]. ظهر الفساد الشر الظلم والاستبداد والقتل.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ' كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا وَقَعَتْ فِيكُمْ خَمْسٌ، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تَكُونَ فِيكُمْ أَوْ تُدْرِكُوهُنَّ: مَا ظَهَرْتِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ يُعْمَلُ بِهَا فِيهِمْ عَلَانِيَةً، إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ، وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَمَا بَخَسَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمئونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَا حَكَمَ أُمَرَاؤهُمْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ واسْتَفْقَدُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا عَطَّلُوا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ إِلَّا جَعَلَ اللهُ بِأَسَهُمْ بَيْنَهُمْ ' رواه البيهقي بسند ضعيف وقال الألباني حسن لغيره.

وقال الله تعالى: { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وأخرج ابن حجر أَنَّ الْعَبَّاس لَمَّا اِسْتَسْقَى بِهِ عُمَر قَالَ ' اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْزِل بَلَاء إِلَّا بِذَنْبٍ ، وَلَمْ يُكْشَف إِلَّا بِتَوْبَةٍ ، وَقَدْ تَوَجَّهَ الْقَوْم بِي إِلَيْك لِمَكَانِي مِنْ نَبِيّك ، وَهَذِهِ أَيْدِينَا إِلَيْك بِالذُّنُوبِ وَنَوَاصِينَا إِلَيْك بِالتَّوْبَةِ فَاسْقِنَا الْغَيْث . فَأَرْخَتْ السَّمَاء مِثْل الْجِبَال حَتَّى أَخْصَبَتْ الْأَرْض ، وَعَاشَ النَّاس. فتح الباري لابن حجر (3/ 443)

 قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد:11]. فيا أيها الإخوة والأخوات أروا الله من أنفسكم خيرا وانتهوا عن الذنوب والمعاصي وغيروا من السيئ إلى الأفضل يغير الله لكم حالكم إلى أفضل.

ومن أثار الذنوب والمعاصي على الأمة والفرد أنها تكون في الدين والدنيا. وتمحق بركة العمر والرزق, وما هذه المعضلات في الحياة التي نعيشها وما هذه الحروب والدمار إلا بسبب الذنوب والمعاصي قال الله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]، وقال أيضا{وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقاً} [الجن:16].

فإذا أطاع المسلم ربه أطاع له دابته وزوجته وسيارته وكل الخلق.

فيا أيها الإخوة والأخوات {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] كما قال مولانا سبحانه، فارعوا حدود الله وحافظوا عليها وابتعدوا عن الذنوب.

والعصيان يقف الله معكم ولا تتجرءوا على الله تعالى ليحميكم وليغيثكم ولينصركم وما ذلك على الله بعزيز وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

         الشيخ عبد الباري بن محمد خلة     

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية