الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | أحكام العقيقة الجزء الثالث

اليوم : الجمعة 24 شوَّال 1445 هـ – 03 مايو 2024م
ابحث في الموقع

أحكام العقيقة الجزء الثالث

التسمي باسم حسن

ويُسن أن يحسن اسم المولود لقوله - صلى الله عليه وسلم - :

«إنكم تدعون يوم القيامة، بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم» رواه أبو داود. وهو حديث ضعيف. وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن؛ فعن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» رواه مسلم، وعن جابر قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم، ولا كرامة، فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: «سم ابنك عبد الرحمن» متفق عليه.

وكل ما أضيف إليه اسم من أسماء الله فحسن، كعبد الرحمن، وعبد الرحيم، وعبد السلام، وعبد القادر، وعبد العظيم، وعبد الحميد، وعبد المحسن، وعبد الرزاق، وعبد الخالق، وعبد السميع، وعبد المهيمن، وعبد المجيد.

وكذا أسماء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كإبراهيم، ونوح، ومحمد، وموسى، وعيسى، وسليمان فعن أبي وهب الجشمي مرفوعًا: «تسموا بأسماء الأنبياء» رواه أحمد وهو صحيح، وحديث: «تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي» وهو صحيح. وتجوز التسمية بأكثر من واحد، كما يوضع له اسم وكنية ولقب.

وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لي خمسة أسماء أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي». وهو صحيح. والاقتصار على اسم واحد أولى، لفعله - صلى الله عليه وسلم - في أولاده.

ويكره من الأسماء حرب، ومرة، وحزن، ونافع، ويسار، وأفلح، ونجيح، وبركة، ويعلى، ومقبل، ودافع، ورياح، والعاصي، وشهاب، والمضطجع، ونبي ونحوها؛ وكذا ما فيه تزكية كالنقي، والزكي، والأشرف، والأفضل، وبرة.

قال القاضي: وكل ما فيه تفخيم وتعظيم؛ فعن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تسمين غلامك يسارًا، ولا رباحًا، ولا نجاحًا ولا أفلح؛ فإنك تقول: أثم هو، فلا يكون». رواه مسلم. وفي معنى هذا مبارك، ومفلح، وخير، وسرور، ونعمة وما أشبه ذلك؛ فإن المعنى الذي ذكره له النبي - صلى الله عليه وسلم - التسمية بتلك الأربعة موجود فيها، فإنه يقال: أعندك سرور، أعندك نعمة، فيقول: لا، فتشمئز القلوب من ذلك، وتتطير به، وتدخل في باب المنطق المكروه.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمى برة، وقال: «لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم»، رواه أبو داود وهو صحيح. وعن أبي هريرة، أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب، وهو صحيح.  ومنها التسمية بأسماء الشياطين كخنزب، والولهان، والأعور، والأجدع.

قال الشعبي عن مسروق: لقيت عمر بن الخطاب، فقال: من أنت؟ قلت: مسروق بن الأجدع، فقال عمر - رضي الله عنه - : سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الأجدع شيطان»، وهو ضعيف. وعن أبي بن كعب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: «إن للوضوء شيطانًا يقال له الولهان، فاتقوا وسواس الماء» رواه ابن ماجه وهو ضعيف. وعن عثمان بن العاصي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله واتفل عن يسارك قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني رواه مسلم.

 وقال أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن هشام، عن أبيه: أن رجلاً كان اسمه الحباب، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، وقال: «الحباب شيطان». وهو ضعيف.

ومنها أسماء الفراعنة، والجبابرة كفرعون وقارون وهامان، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشتد عليه الاسم القبيح، ويكرهه من الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال.

ومن تأمل السُّنة، وجد معاني الأسماء مرتبطًا بها حتى كأن معانيها مأخوذة منها، وكأن الأسماء مشتقة من معانيها، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصت الله ورسوله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وهو صحيح.

ولما جاء سهيل بن عمرو يوم الصلح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد سهل لكم من أمركم» صحيح.

وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها، فتأمل حديث بن المسيب عن أبيه، عن جده، قال: أتيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «ما اسمك؟» قلت: حزن، فقال: «أنت سهل»، فقال: لا أغير اسمًا سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد. رواه البخاري والحزونة: الغلظة، ومنه أرض حزونة وأرض سهلة.

وعن بشير بن معبد السدوسي- وكان اسمه: زحم بن معبد، فهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: 'ما اسمك؟'، قال: زحم. قال: 'بل أنت بشير'. صحيح. وعن بشير بن ميمون عن عمه أسامة بن أخدري أن رجلا يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك قال أنا أصرم قال بل أنت زرعة . صحيح

ويحرم التسمية بملك الأملاك، وسلطان السلاطين، وشاهنشاه؛ فعن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أخنع اسم عند الله رجل يُسمى ملك الأملاك»، رواه الشيخان وفي رواية: أخنى بدل من أخنع. وفي رواية لمسلم: «أغيظ رجل عند الله يوم القيامة، وأخبثه رجل كان يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله»، رواه مسلم. ومعنى أخنع وأخنى: أوضع.

قال ابن القيم رحمه الله: وفي معنى ذلك كراهية التسمية بقاضي القضاة، وحاكم الحكام؛ فإن حاكم الأحكام في الحقيقة هو الله، وقد كان جماعة من أهل الدين يتورعون عن إطلاق لفظ قاضي القضاة وحاكم الحكام قياسًا على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك. وهذا محض القياس.

وتحرم التسمية بسيد الناس، وسيد الكل، كما يحرم بسيد ولد آدم؛ فإن هذا ليس لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده، فهو سيد ولد آدم.

ويحرم التسمية بما لا يليق إلا بالله كقدوس، والبر، وخالق، ورحمان؛ لأن معنى ذلك لا يليق بغير الله تعالى.

وقال ابن القيم: ' ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد، والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى، ولا تجوز تسمية الملوك القاهر، والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب '. وعن أبي شريح، إنه كان يكني أبا الحكم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله هو الحكم وإليه الحكم»، فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت فرضي كلا الفريقين، فقال: «ما أحسن هذا، فمالك من الولد؟» قلت: شريح ومسلم وعبد الله، قال: «فمن أكبرهم؟» قلت: شريح، قال: «فأنت أبو شريح» رواه أبو داود وغيره. وهو صحيح.

وقال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى، وعبد عمرو، وعبد علي، وعبد الكعبة، ومثله عبد النبي، وعبد الحسين، وعبد المسيح؛ قال ابن القيم: وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «أنا ابن عبد المطلب»، فليس من باب إنشاء التسمية بل من باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، قال -رحمه الله-: وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلى غيره كالسميع والبصير، والرؤوف، والرحيم، فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمى بها على الإطلاق، بحيث يطلق عليه كما يطلق على الرب تعالى.

قال: ومما يمنع منه التسمية بأسماء القرآن وسوره، مثل: طه، ويس، وحم، وقد نص مالك على كراهة التسمية بياسين، ذكر السهيلي؛ وأما ما ذكره العوام: أن يس وطه من أسماء النبي -عليه الصلاة والسلام- فغير صحيح، ولا حسن، ولا مرسل، ولا أثر عن صحابي؛ وإنما هذه الحروف مثل: ألم وحم وآلر ونحوها '.

ويستحب تغيير الاسم القبيح؛ لما ورد عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير اسم عاصية وقال: «أنت جميلة».وهو صحيح.

وعن أبي هريرة: أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب. رواه البخاري.

وعن أسامة بن أخدري: أن رجلاً كان يقال له أسرم، كان في النفر الذين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «ما اسمك؟» قال: أصرم، قال: «بل أنت زرعة». وهو صحيح

قال أبو داود: وغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم العاص، وعزيز، وعقلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وشهاب، وحباب، فسماه هاشمًا، وسمى حربًا سلمًا، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضًا يقال له عفرة: خضرة، وشعب الضلالة: سماه شعب الهدى، وبنو الزنية سماهم بنو الرشدة، وسمى بنو غوية: بني رشدة.

وغيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم المدينة، وكان يثرب فسماها طيبة، فعن أبي حميد، قال: أقبلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من تبوك حتى أشرفنا على المدينة، فقال: «هذه طيبة» رواه الشيخان. ولا بأس بالكنى كأبي فلان وأبي فلان، وأم فلان وأم فلانة.

وتباح تكنية الصغير، فعن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء يقول له: «يا أبا عمير، ما فعل النفير؟»، وكان أنس يكنى قبل أن يولد له بأبي حمزة، وأبو هريرة كان يكنى بذلك ولم يكن له ولد إذ ذاك. رواه الشيخان.

قال ابن القيم: ' وأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة أن تكنى بأم عبد الله، وهو عبد الله ابن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، هذا هو الصحيح لا الحديث الذي روى أنها سقطت من النبي - صلى الله عليه وسلم - سقطًا فسماه عبد الله وكناها به؛ فإنه حديث لا يصح.

وقال: ويجوز تكنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده، ولم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر، ولا لعمر ابن اسمه حفص، ولا لأبي ذر ابن اسمه ذر، ولا لخالد ابن الوليد ابن اسمه سليمان، وكان يكنى أبا سليمان، والكنية نوع تكثير وتفخيم للمكنى وإكرام له، كما قال الشاعر:

أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقب.

وقيل: لا ينكر التكني بأبي القاسم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم وقال في الهدي: والصواب أن التكني بكنيته ممنوع، والمنع في حياته أشد، والجمع بينهما ممنوع منه. التحفة. فظاهره التحريم، ويؤيده حديث: «لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي» اهـ.

ويحرم من الألقاب ما لم يقع على مخرج صحيح؛ لأنه كذب، ولا بأس بترخيم الاسم المنادى كقوله - صلى الله عليه وسلم - لزوجته الصديقة بنت الصديق: «يا عائش» بحذف التاء، وكقوله - صلى الله عليه وسلم - لبنته فاطمة الزهراء: «يا فاطم»، ولا بأس بتصغير الاسم مع عدم أذى بذلك، كتصغير أنس إلى أنيس، إذ قد يُراد بالتصغير التعظيم والتعجيب.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                 الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية