الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | أحكام العقيقة الجزء الأول

اليوم : الجمعة 24 شوَّال 1445 هـ – 03 مايو 2024م
ابحث في الموقع

أحكام العقيقة الجزء الأول

تعريفها: أصل العقيقة، صوف الجذع، وشعر كل مولود، وبه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم السابع عقيقة؛ لأنه يزال عنه الشعر فسميت باسم سببها.

وقيل: إنه مأخوذ من العق، وهو الشق والقطع، فسميت الذبيحة عقيقة؛ لأنه يشق حلقومها.

حكمها:

ذهب الجمهور المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم إلى أنها سنة مؤكدة واستدلوا بأمره صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه والتابعين لها.

فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة؟ فقال: «لا أحب العقوق» وكأنه كره الاسم، فقالوا: يا رسول الله، إنما نسألك عن أحدنا يولد له، قال: «من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو صحيح.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما -: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وهو كذلك.

وقيل: واجبة شرعت فدية يفدي بها المولود، كما فدى الله إسماعيل الذبيح بالكبش، وكانت تفعل في الجاهلية، فأقرها الإسلام وأكدها، وأخبر الشارع أن الغلام مرتهن بها

قال ابن القيم: قال الإمام أحمد: أشد ما سمعته فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : «كل غلام رهين بعقيقته» . وهو صحيح. وإني لأرجو إن استقرض أن يجعل اللَّه له الخلف؛ لأنه أحيا سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحمد في موضع آخر: مرتهن عن الشفاعة لوالديه، وهذا لأنها نسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة اللَّه على الوالدين، وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل بالكبش الذي ذبح عنه، وفداه اللَّه -سبحانه وتعالى- به، فصار سنة في أولاده من بعده أن يفدى أحدهم عند ولادته بذبح يذبح عنه، ولا يستنكر أن يكون هذا حرزا له من الشيطان بعد ولادته، كما كان ذكر اسم اللَّه عند وضعه في الرحم حرزا له من الشيطان؛ ولهذا من يترك أبوه العقيقة عنه يناله تخبيط من الشيطان '. تحفة المودود في أحكام المولود.

وعن سمرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويسمي» رواه أحمد والأربعة، وهو صحيح.

الحكمة من العقيقة:

قال شيخ الإسلام في تحفة المودود: العقيقة فيها معنى القربان والشكر والصدقة والفداء، وإطعام الطعام عند السرور، فإذا شرع عند النكاح، فلأن يشرع عند الغابة المطلوبة، وهو وجود النسل أولى. وقال أحمد: إن استقرض رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سُّنة واتبع ما جاء به عن ربه. قال ابن القيم: وهذا لأنها سُّنة ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة على الوالدين، وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل، بالكبش الذي ذبح عنه وفداه الله به، فصار سُّنة في أولاده بعده أن يفدي أحدهم عن ولادته بذبح يذبح، ولا يستنكر أن يكون هذا حرزًا له من الشيطان بعد ولادته كما كان ذكر اسم الله عند وضعه في الرحم حرزًا له من ضرر الشيطان. اهـ. في ».

قال ابن القيم: ومن فوائدها أنه قربان يقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا، والمولود ينتفع بذلك غاية الانتفاع كما ينتفع بالدعاء، وإحضاره مواضع النسك والإحرام عنه، وغير ذلك.

ومن فوائدها أنها تفك رهان المولود؛ فإنه مرتهن بعقيقته، قال الإمام أحمد: مرتهن عن الشفاعة لوالديه، وقال عطاء بن أبي رباح: مرتهن بعقيقته، قال: يحرم شفاعة ولده، ومن فوائدها أنها فدية يفدي بها المولود كما فدى الله سبحانه إسماعيل الذبيح بالكبش.

وفي العقيقة مصالح، منها: إظهار البِشْر النعمة والسرور، ومنها: نشر النسب، ومنها: اتباع سبيل السخاء وعصيان داعي الشح والبخل.

وقت الذبح:

 وهو يوم السابع، فإن فات الذبح في اليوم السابع، ففي أربعة عشر، فإن فات، ففي إحدى وعشرين؛ فعن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في العقيقة تذبح لسبع، ولأربع عشرة، ولإحدى وعشرين» أخرجه الحسين بن يحيى بن عباس القطان، وهو ضعيف

ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك، فيعق أي يوم أراد لأنه قد تحقق سببها،.

ويجوز ذبحها قبل السابع، قال ابن القيم: والظاهر أن التقيد بذلك، أي بالسابع، ونحوه استحبابًا، وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر، وما بعده أجزأه، والاعتبار بالذبح لا بيوم الطبخ والأكل، ولا تجزي بدنة أو بقرة إلا كاملة، فلا يجزي فيها شرك في دم لعدم وروده، وينوي عقيقة لحديث: «إنما الأعمال بالنيات». التحفة

 المخاطب بها: وهي سُّنة في حق الأب.

السُّنة أن يذبح عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة، فعن أم كرز الكعبية، أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة؟ فقال: «نعم، عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة، لا يضركم ذكرانًا أو إناثًا» رواه أحمد والترمذي وصححه، وهو صحيح.

وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة» رواه أحمد والترمذي وهو صحيح. وفي لفظ: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، » رواه أحمد وابن ماجه. وهو صحيح.

ولأنه إنما شرع للسرور بالمولود، والسرور بالغلام أكثر، ولكونها فداء النفس، أشبهت الدية في كون الأنثى على النصف من الذكر؛ وهذا قول الأكثر.

وذهب المالكية: إلى أنها شاة لكل من الذكر والأنثى

وكان ابن عمر يقول: شاة شاة؛ فعن ابن عباس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» رواه أبو داود. وهو صحيح.

قال ابن القيم في الهدي: فإن قيل عقه عن الحسن والحسين، يكفي كبش، يدل على أن هديه أن على الرأس رأسًا. قالوا: ولأنه نسك، فكان على الرأس مثله كالأضحية، ودم التمتع، فالجواب: أن أحاديث الشاتين من الذكر، والشاة من الأنثى، أولى أن يؤخذ بها لوجوه:

أحدها: كثرتها. ثانيًا: أنها من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحاديث الشاتين من قوله، وقوله عام، وفعله يحتمل الاختصاص.

الثالث: أنها متضمنة لزيادة؛ فكان الأخذ بها أولى.

الرابع: أن الفعل يدل على الجواز؛ وللقول يدل على الاستحباب، والأخذ بهما ممكن فلا وجه لتعطيل أحدهما.

الخامس: أن قصة الذبح عن الحسن والحسين، كانت عام أُحد، والعام الذي بعده، وأم كرز سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما روته عام الحديبية، سنة ست بعد الذبح، عن الحسن والحسين، قاله النسائي في كتابه الكبير.

السادس: أن قصة الحسن والحسين، يحتمل أن يراد بها بيان جنس المذبوح، وأنه من الكباش لا في تخصيصه بالواحد، كما قالت عائشة: ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه بقرة، وكن تسعًا؛ ومرادها الجنس لا التخصيص بالواحدة.

السابع: أن الله سبحانه فضل الذكر على الأنثى، كما قال: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } [36:3] ومقتضى التفاصيل ترجيحه عليها في الأحكام، وقد جاءت الشريعة بهذا التفضيل، في جعل الذكر كالأنثيين في الشهادة، والميراث والدية، فكذلك ألحقت العقيقة بهذه الأحكام.

الثامن: أن العقيقة تشبه العتق عن المولود؛ فإنه رهين بعقيقته، فالعقيقة تفكه وتعتقه، وكان الأولى أن يعق عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة، كما أن عتق الأنثين يقوم مقام عتق الذكر، كما في «جامع الترمذي» وغيره.

عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلمًا كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوًا منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو منهما عضوًا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوًا منها» وهذا حديث صحيح.

                    الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية