الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | ذنوب الخلوات

اليوم : الأحد 26 شوَّال 1445 هـ – 05 مايو 2024م
ابحث في الموقع

ذنوب الخلوات

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) } [الجاثية: 21، 22].

وقال: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)(النساء:108)

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذنوب الخلوة والسر ، فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) رواه ابن ماجه بسند صحيح.

وسئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظر إليه.

وما أسَرَّ عبدٌ سريرة إلا أظهرها الله على قَسَماتِ وجهه وفلتات لسانه؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشَرٌّ.

فمن لمح نفور الصالحين عنه وتباعد المخلصين منه فليراجع أعمال سرِّه.

ولما قال رجل لوهيب ابن الورد : عظني ، قال : اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك.

يا عبد الله إنك إذا خلوت بمعصية الله فما أنت إلا أحد رجلين: إما رجل يعلم أن الله لا يراه ولا يعلم بحاله، فهذا كافر بالله العظيم لإنكاره علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وإما أنك تعلم أنه يراك ومع هذا تجترئ على معصيتك فأنت والله جرئ.

وقد أجمع العارفون بالله بأن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن عبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات

 يقول ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -:'وإن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك؛ فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت'

داء معصية السر وأثرها على العبد:

1.     عدم كمال العبودية فإذا اسْتَوَتْ سريرة العبد وعلانيته؛ كان عبدا حقًّا

2.     السيئات في الخلوات تنسف الحسنات الظاهرات كما في حديث ثوبان رضي الله عنه

3.     نفور المؤمنين منه فما أسَرَّ عبدٌ سريرة إلا أظهرها الله على قَسَماتِ وجهه وفلتات لسانه؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشَرٌّ. فمن لمح نفور الصالحين عنه وتباعد المخلصين منه فليراجع أعمال سرِّه.

وقال ابن الجوزي: 'وقد يُخفي الإنسان ما لا يرضاه الله عز و جل، فيُظهِره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، ويُنطِق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابًا لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك ليعلم الناس أن هناك من يُجازي على الزلل'.

4.     اكتمال التقوى بصلاح السريرة والتقوى في السر أصعب لكن أجرها أعظم.

5.     سوء الخاتمة!

قال ابن القيم: 'أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات'. وأيَّده في ذلك ابن رجب فقال: 'خاتمة السوء تكون بسبب دسيسةٍ باطنة بين العبد وربه'.

وإن هذا الذنوب التي تكون في الخلوات من أعظم المهلكات ، ومحرقةٌ للحسنات

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى'أجمع العارفون بالله بأن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن عبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات'، فهل يفرط موفق بصيد اقتنصه ، وكنز نادر حَصَّله ؟ احذر سلمك الله ، فقد تكون تلك الهفوات المخفية سبباً لتعلق القلب بها حتى لا يقوى على مفارقتها فيختم له بها فيندم ولات ساعة مندم يقول ابن رجب الحنبلي عليه رحمة الله : 'خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس' .

وقال آخر: ' ما أسر عبد سريرة إلا كساه الله رداءها إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر '

وقال سليمان التيمي رحمه الله : ' إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته '

وقال غيره : ' إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك عليه ' وقال ذا النون: ' من خان الله في السر هتك الله سره في العلانية '[2]

ويقول العلامة ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ' وقد يُخفي الإنسان ما لا يرضاه الله عزوجل فيظهره الله عليه ولو بعد حين وينطق الألسنة به , وإن لم يشاهده الناس وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق, فيكون جوابًا لكل ما أخفى من الذنوب وذلك ليعلم الناس أن هناك من يجازي عن الزلل ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار ولا يضاع لديه عمل '

دواء معصية السر وكيفة التخلص منها

1.    الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء أن يصرف عنك الذنوب والمعاصي كلها

2.    مجاهدة النفس وتزكيتها بالطاعة الله ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69 .

3.    أن يستشعر استحياءه من الله أكثر من استحيائه من الخلق , وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (واستحي من الله استحياءك رجلاً مِنْ أهلكَ).

4.    تأمل الوعيد الشديد الوارد فيها.

5.    تذكر الموت.

6.    استشعار مراقبة الله تعالى، قال ابن كثير رحمه الله : وقد ذُكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان ينشد هذين البيتين ، إما له ، أو لغيره :

إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا تَقُل ... خَلَوتُ وَلكن قُل عَليّ رَقيب

وَلا تَحْسَبَن الله يَغْفُل ساعةً ... وَلا أن مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب

وأخيرا اجعل بينك وبين الله عز وجل طاعة لا يعلمها إلا هو ولا يطلع عليها أحد سواك ولا تتكلم عن طاعتك ولا تحدث بها واجعلها خالصة لله.

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية