الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | خلق الحياء

اليوم : الأحد 26 شوَّال 1445 هـ – 05 مايو 2024م
ابحث في الموقع

خلق الحياء

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فللخير والشر معان كامنة وصفات تميز بينهما فصفة الخير الحياء، وصفة الشر البذاء فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ أخرجه الترمذي بسند صحيح.

والعي هو سكون اللسان تحرزاً عن الوقوع في الباطل والبذاء نقيض الحياء وهو الفحش في الكلام والبيان هو فصاحة اللسان فلا يتكلم إلا بخير فلا يقول إلا حقا ويحتمل أن يكون العي بمعنى الصمت، والبيان بمعنى التشدق فعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَسَاوِيكُمْ أَخْلَاقًا الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ رواه أحمد بسند حسن لغيره

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ رواه ابن ماجه بسند صحيح.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :«الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَهً وَالْحَياَءُ شُعْبَهٌ مِنَ الإِيَمَانِ». رواه البخاري

والحياء يحمل صاحبه على فعل الطاعات وترك المعاصي ويجعل صاحبه منضبطا َفعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :«الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ». رواه البخاري

من أقوال العلماء في الحياء

قال الجنيد رحمه الله: الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحيا، وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح وبمنع من التفريط في حق صاحب الحق.

وقال بعض البلغاء: حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائه.

وقال الفضيل بن عياض: خمس علامات من الشقوة: القسوة في القلب, وجمود العين, وقلة الحياء, والرغبة في الدنيا, وطول الأمل.

وقال بعض الحكماء: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.

والمسلم يدعو إلى المحافظة على خلق الحياء لأنه من الأيمان والأيمان منبع كل الفضائل فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فيَقُولُ : إِنَّكَ لَتَسْتَحِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ : قَدْ أَضَرَّ بِكَ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيْمَانِ». رواه البخاري

ولا يعني أن يكون الحيي منطويا خائفا محجما عن قول الحق آمرا بالمعروف ناهيا عن المنـكر فقد شفع أسامة مرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فعنفه فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. رواه البخاري.

ولم يمنع الحياء أم سليم أن تسأل عما يستحيى منه فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ. رواه البخاري

وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ : إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ' رواه البخاري.

ومعنى هذا الحديث أن من تجرد عن الحياء لم يمتنع عن ارتكاب المعاصي فإذا استحى المرء فإن الحياء يردعه.

وهذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرج الذم

قال الحكيم:

إذا لم تخـشى عاقبـة الليالي  *** ولم تستحي فاصنع ما تشـاء

فلا والله ما في العيش خيـر  *** ولا الدنيا إذا ذهـب الحيـاء

يعيش المرء ما استحيا بخير  *** ويبقى العود ما بقي اللحـاء

وهكذا فإن خلق الحياء من أعظم الأخلاق للمسلم فهو الذي يميزه عن غيره ويمنعه من الوقوع في الذنوب والمعاصي والله أسأل أن يسدل على المسلمين ثوب الحياء وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

          الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية