الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | حَق على الْعاقل أَنْ لا يغفل عَنْ أَربع ساعات

اليوم : الجمعة 24 شوَّال 1445 هـ – 03 مايو 2024م
ابحث في الموقع

حَق على الْعاقل أَنْ لا يغفل عَنْ أَربع ساعات


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: ' مَكْتُوبٌ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ: حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يَغْفُلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ: سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا مَعَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيُصْدَقُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْنًا عَلَى تِلْكَ السَّاعَاتِ وَإِجْمَامًا لِلْقُلُوبِ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يُرَى ظَاعِنًا فِي غَيْرِ ثَلاثٍ: زَادٍ لِمَعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِزَمَانِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ، مُقْبِلا عَلَى شَأْنِهِ '. رواه أحمد كما في جامع العلوم والحكم (31/ 23)

فالعاقل لا بد أن يستثمر وقته فيما ينفع من أمور الدنيا والآخرة فوقت يناجي فيه ربَّه من صلاة وذِكر وشكر وحمد وغير ذلك.

ووقت يحاسب فيهِ نفسَه فيراجع أفعاله وأقواله وأين أخطأ وأين أصاب حتى لا يغبن ولا يضيع فإن كان محسنا استزاد وإن كان مسيئاً تاب وأقلع فلا بد من المحاسبة قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(الحشر:18).

وعن عمر الفاروق رضي الله عنه يقول: 'حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم' قال الله تعالى: { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } (الحاقة:18).

فمن حاسب نفسه لا بد وأن يكون يومه أحسن من أمسهِ وغده أحسن من يومهِ.

وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ يَقُولُ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ تَقِيًّا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كَمَا يُحَاسِبُ شَرِيكَهُ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ رواه الترمذي بسند ضعيف.

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: 'حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغله أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة '.

قال الحسن البصري: 'إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته'.

وقال ميمون بن مهران:  'لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه'.

 وقال أيضا: 'إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص، ومن شريك شحيح' .

ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك.

وعلى العاقلِ أن يكونَ لهُ وقت يتفكر فيه في صنع الخالق يتفكر فيما خلق الله، يتأمل في خلقه كيف كان وكيف صار كان ضعيفا ثم قويا ثم ضعيفا إلى غير ذلك.

يتفكر في هذا العالم البديع قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران: 190، 191]

ولا ينسى العاقل دنياه فيعمل من أجل نفسه وزوجه وولده يعمل على تحصيل طعامه وشرابه يطلب ذلك بالحلال مبتعدا عن الحرام والشبهات.

وعلى العاقل أن يحسب كلامه من عمله ولا يتكلم فيما لا يعنيه فإن ذلك من الإيمان فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَمَتَ نَجَا رواه الترمذي بسند صحيح.

وقال الشافعي: من كَثُرَ لغَطُهُ كَثرَ غلطه ومن طاب ريحه زاد عقله ومن نظُفَ ثوبُه قل همُهُ.

وهكذا فمن الحكمة أن يقسم العاقل وقته فيما ينفع وليبتعد عما لا ينفع وليأخذ من الدنيا زادا للآخرة وليكن همه الدار الآخرة وليتأمل في هذا الكون الفسح وليحاسب نفسه وليحسن إلى الناس وليرحم الفقراء والمحتاجين كل ذلك بتواز فلا يغلب جانبا على حساب الجانب الآخر فالوسطية مطلوبة والتوازن مطلوب والعدل مطلوب وكل ذلك بقدر والله أسأل أن يرد المسلمين إليه ردا جميلا وأن ينفع بنا الإسلام والمسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

        الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية