الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | هل للربح حد معين في الشريعة وما حكم التسعير؟

اليوم : الأحد 26 شوَّال 1445 هـ – 05 مايو 2024م
ابحث في الموقع

هل للربح حد معين في الشريعة وما حكم التسعير؟

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[البقرة: 275]

وبحسب القواعد الشرعية وما ورد من نصوص فإنه لا حد للربح في المعاملات ويترك الناس في ذلك أحرارا في بيعهم وشرائهم، وتصرفهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية وضوابطها قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[النساء:29].

فإذا كانت المعاملات صحيحة وبعيدة عن الحرام وأسبابه وملابساته كالغش والتدليس والاستغلال والاحتكار وغير ذلك من أسباب كان الإنسان حرا في ربحه.

ولا بد من السماحة في البيع والشراء والدين والقضاء فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى رواه البخاري.

فليس في الشريعة الإسلامية حد معين للربح، فيكون الربح على ما يتفقا عليه.

فمتى رضي البيعان بالثمن جاز البيع بشرط أن يكون المشتري عالما بأسعار السوق.

والزيادة والنقص في الثمن خاضعان للعرض والطلب، فإذا كان الطلب شديداً على السلعة ارتفعت قيمتها وإذا كان ضعيفاً انخفضت.

ويمكن أن يكون الربح مائة بالمائة أو أكثر بشرط أن يكون مثل سعر السوق كمن جلب سلعة من بلد وهي رخيصة فباعها في بلده بثمن عال بحسب السوق فلا حرج في ذلك، فعن عروة بن أبي الجعد البارقي قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا وقال أي عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما أو قال أقودهما فلقيني رجل فساومني فأبيعه شاة بدينار فجئت بالدينار وجئت بالشاة فقلت يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال وصنعت كيف قال فحدثته الحديث فقال اللهم بارك له في صفقة يمينه فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فاربح أربعين ألفا قبل ان أصل إلى أهلي وكان يشترى الجواري ويبيع رواه أحمد بسند حسن

وهل يجوز لولي الأمر التسعير؟

التسعير لا يخلو من حالتين: الحالة العادية التي لا غلاء فيها، أو حالة الغلاء.

الحالة الأولى: التسعير في الأحوال العادية التي لا غلاء فيها:

والراجح عدم جواز التسعير في هذه الأحوال حيث لا يظهر فيها ظلم التجار ولا الغلاء في الأسعار، فالناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين، لا في تقييد الناس في معاملاتهم والأصل في المعاملات الحل

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلاَ السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِى بِمَظْلَمَةٍ فِى دَمٍ وَلاَ مَالٍ ». رواه أبو داود.

 قال ابن قدامة في المغني: قال بعض أصحابنا: التسعير سبب الغلاء؛ لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بلداً يكرهوا على بيعها فيه بغير ما يريدون، ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها، ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلاً، فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها فتغلوا الأسعار ويحصل الإضرار بالجانبين: جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري من الوصول إلى غرضه فيكون حراماً.

والأصل في الشريعة حرية التعامل بين الناس في حدود وضوابط الشرع

ومما لا شك فيه أن هذه الحرية تعد سببا من أسباب قوة الاقتصاد الوطني.

والتسعير دون الحاجة إليه يخالف الأصول التي وضعها ديننا الحنيف حيث يقيد الحرية ويعمل على اختفاء السلع من الأسواق مما يعود على المجتمع بالضرر

الحالة الثانية: التسعير في حالة الغلاء: والراجح جواز التسعير لوجود الحاجة والضرورة

والتسعير ممنوع كما هو واضح في الأحاديث لكن على قوم صح ثباتهم واستسلموا إلى ربهم كما قال ابن العربي. وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى.

لهذا كله فإن الشريعة الغراء ترى عدم وجود حد معين للربح طالما أن الأمر طبيعي والتجار ملتزمون بالقواعد المحددة لهم وكذا لا ينبغي التسعير في الحالات الطبيعية وليس لولي الأمر التدخل في الأسعار إلا إذا استغل التجار أوضاع الناس وعثروا حياتهم باحتكارهم وغشهم وخداعهم فكان ذلك علاجا لا أصلا والله أعلم.

                الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية