الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | تقديس العلماء والأشخاص

اليوم : الجمعة 9 ذو القعدة 1445 هـ – 17 مايو 2024م
ابحث في الموقع

تقديس العلماء والأشخاص


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فقضية تقديس الأشخاص في ديننا مرفوضة وإن كان هناك حب وولاء وطاعة فلا بد أن تكون لله ورسوله والمؤمنين ولا بد أن يكون التقديس منضبطا بالكتاب والسنة لأن الإسلام يربي أبناءه على تعظيم الدليل من القرآن والسنة

 وإن طاعة الله ورسوله مطلقة وطاعة العلماء والحكام مقيدة لا مطلقة قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء:59).

وعن عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا: بَلَى قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوف. رواه البخاري

وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ. رواه البخاري

وعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَرِّزٍ عَلَى بَعْثٍ أَنَا فِيهِمْ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَأْسِ غَزَاتِنَا أَوْ كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَذِنَ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْجَيْشِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ يَعْنِي مُزَاحًا وَكُنْتُ مِمَّنْ رَجَعَ مَعَهُ فَنَزَلْنَا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ وَأَوْقَدَ الْقَوْمُ نَارًا لِيَصْنَعُوا عَلَيْهَا صَنِيعًا لَهُمْ أَوْ يَصْطَلُونَ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ قَالُوا بَلَى قَالَ فَمَا أَنَا بِآمِرِكُمْ بِشَيْءٍ إِنْ صَنَعْتُمُوهُ قَالُوا بَلَى قَالَ أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ بِحَقِّي وَطَاعَتِي لَمَا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النَّارِ فَقَامَ نَاسٌ فَتَحَجَّزُوا حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاثِبُونَ قَالَ احْبِسُوا أَنْفُسَكُمْ فَإِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ مَعَكُمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تُطِيعُوهُ. رواه أحمد بسند حسن.

نجد بعض الناس يقدس عالما مشهورا، مع أن هذا العالم لا يدّعي لنفسه ذلك ولا يرضى لأحد أن يقدسه.

وكل أحد يُؤخذ من قوله ويُرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم فلا أحد معصوم سواء اكان كبيرا أم صغيرا أبا أم جدا، فنحن لا نقدّس أحدا.

وقد اشتد نكير السلف على من تعصب لقول أحد من العلماء وخالف الدليل فعن ابن عباس رصي الله عنهما قال لمن ناظره في متعة الحج وكان ابن عباس يأمر بها فاحتج عليه المناظر بنهي أبي بكر وعمر-رضي الله عنهما- عن المتعة، فقال: 'يوشك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر'.

وقال الشافعي: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحدٍ، فالحق لا يعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق، وهذا النهج الذي سلكه سلفنا الصالح.

قال أبو حنيفة رحمه الله : ' لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا؛ ما لم يعلم من أين أخذناه

وقال مالك رحمه الله: ' كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر'.

وقال الشافعي رحمه الله : ' أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لم يحل له أن يدعها لقول أحد '.

وقال: 'إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي'.

ورحم الله الأئمة الذين قالوا: 'إذا وجدتم كلامنا يخالف كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاضربوا بأقوالنا عرض الحائط وخذوا بكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-'.

وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: ' لا تقلدني، ولا تقلد مالكا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا '.

وكان في بعض الأزمنة غلو في الدين من أثر تقديس الأشخاص فبعض الطلاب وضعوا أحاديث على لسان النبي صلى الله عليه وسلم كذبا في مدح الإئمة والعلماء فقد وضع أحدهم: 'أبو حنيفة سراج أمتي'.

وقال قائلهم: 'كل آيةٍ تعارض المذهب فهي إما مأولةٌ أو منسوخةٌ '.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: ' الواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعرفه؛ أن يبينه للأمة ،وينصح لهم ، ويأمرهم باتباع أمره ، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة ؛ فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ، ومن هنا ردَّ الصحابة ومن بعدهم على كل مخالفٍ سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد، لا بغضاً له؛ بل هو محبوبٌ عندهم معظَّمٌ في نفوسهم، لكن رسول الله أحب إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره؛ فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع، ولا يمنع'

وبعض الناس يقدسون الحكام والملوك فيحبونهم حبا يفوق كل حب من زوجة وأبوين وغيرهم مع أن الحاكم موظف في الدولة لخدمة الناس وقد يكون الحاكم ظالما وكل هذا من تقديس الأشخاص وعبادتهم

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ رواه البخاري.

قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) } [التوبة: 24، 25] فالمحبة تكون لهؤلاء الاصناف من الامهات والآباء والأبناء والإخوة والزوجة والعشيرة والمال والتجاره ومع ذلك لا نقدمهم على الجهاد في سبيل الله ولا نقدسهم ولا نعبدهم بل نعطيهم حقوقهم.

ولا نقدس أحدا إلا الله وقد قدس اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم وعبدوهم لكثرة تعصبهم لهم قال الله تعالى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31

عظموا علماءهم وأطاعوهم في معصية الله وأحلوا لهم الحرام وحرموا لهم الحلال وهذا هو عبادتهم فاتخذوهم كالأرباب .

وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ. رواه الترمذي بسند حسن.

فلا يجوز التعصب الأعمى المجرد عن الدليل يقول ابن القيم رحمه الله عن شيخه: 'شيخ الإسلام حبيب إلى قلوبنا، ولكن الحق أحب إلينا منه'.

فلا بد لطالب الحق أن يبحث عن القول الراجح بدليله، ولا يقلد عالمًا دون معرفة الدليل ولا ينبغي للعلماء أن يربوا طلابهم على التعصب للقول مهما كان قائله بل لا بد من تعظيم الدليل من الكتاب والسنة.

وبعض الناس يقول: إن شيخي لا يخطئ، وبعضهم يقع في العلماء ويجرؤ عليهم ويعترض ويذم من غير دليل ولا مبرر إلا أن الوسطية خير فنقف موقفا بين هذين المنهجين فلا نتعصب ولا نتعدى بل نقول الحق الناشيء عن دليل

والخلاصة أن الباحث عن الحقيقة لا بد أن يتسلح بتقوى الله وطاعته ومعرفة الأحكام الشرعية معرفة حقيقية وأن يكون موضوعيا في نقده وشرحه وعرضه بعيدا عن الشطط والغلو مع كل الحب والاحترام للشيخ الذي يربي ويعلم وللعالم الرباني وللحاكم المثالي. والله أسأل أن يجنبنا الشطط والغلو والتعصب الممقوت وأن يرزقنا طلب الحق بالحق والدليل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

        الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية