الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله

اليوم : الجمعة 9 ذو القعدة 1445 هـ – 17 مايو 2024م
ابحث في الموقع

بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله

 

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

العلاقة بين الأخذ بالأسباب والتوكل؟

المسلم مطالب بأخذ الأسباب لأن الأخذ بالأسباب عبادة والاعتماد عليها شرك، ومن أخذ بالأسباب ثم اعتمد على الله تعالى.

يقول شارح العقيدة الطحاوية: قد يظن بعض الناس أن التوكل ينافي الاكتساب، وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مقدرة فلا حاجة إلى الأسباب، وهذا فاسد، فإن الاكتساب منه فرض، ومنه مستحب، ومنه مباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المتوكلين يلبس لأمة الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب. اهـ.

وقال ابن القيم: فلا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، وإن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، وإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد من هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً.

قد يشكك البعض بأن بينهما تعارضا؟ فكيف نثبت لهم العكس؟

التوكل الصحيح، لا يكون إلا مع الأخذ بالأسباب، وبدونه تكون دعوى التوكل جهلا بالشرع وفسادا في العقل، قال عمر ـ رضي الله عنه: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

والأخذ بالأسباب عبادة وجاءت النصوص متظافرة في ذلك

كقول الله تعالى: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه {الملك:15}.

وقول الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل {الأنفال:60}.

وعن أنَس بْن مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ قَالَ اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ رواه الترمذي بسند حسن

وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه، أو منعوه.

وأما ترك الأسباب فهو خطأ يجب أن يستغفر الله منه.

نتائج عدم الاهتمام بالأخذ بالأسباب؟

من اهتم بالأسباب فقد كان على هدى من الله ورسوله وكان عند الله مرضيا ومن لم يأخذ بالأسباب ولم يهتم بها كان متواكلا لا متوكلا وهذا ذم وقصور والمسلم لا بد أن يأخذ بالأسباب ولا يعتمد عليها فمن أهمل الأسباب فقد وكل إليها وكأنه استغنى عن الله ومن اعتمد على غير الله فقد ضل فلا ينبغي للمسلم أن يترك ما أوصى به ديننا

أهمية الدعاء بجانب الأخذ بالأسباب؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه، ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب وما قدره له بغير اكتساب كموت مورثه يأتيه به بغير اكتساب، والسعي سعيان: سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزراعة والتجارة، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. اهـ.

فالدعاء من أعظم الأسباب التي تعين على تحقيق المطلوب وهو دين وهو افتقار وتجرد عن الحول والقوة فالدعاء من أفضل الوسائل التي تقرب إلى الله تعالى.

ماذا لو أخذ المسلم بالأسباب ولم يتحقق له ما يريد؟

على المسلم أن يأخذ بالأسباب ويعمل وليس عليه النتائج فالنتائج على الله تعالى فإذا تخلف المطلوب فلا تحزن لأن الله قدر ذلك واعلم أن اختيار الله لعبده خير من اختيار الله لنفسه واعلم أن الله ما منع إلا لحكمة ويمنع ليعطي ويضر لينفع فاصبر واحتسب ولا تجزع وما قدر لك كائن وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        الشيخ عبد الباري بن محمد خلة     

 

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية