الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فقد شرَّف الله بني آدَم وكرَّمَهم قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] وجعل الإنسان يمشي قائمًا على رجلَيْه، وجعل الحيوانَات تمشِي على أربَع.
والله تعالى خلق الخلق، وفرض عليهم الصلاة والَّتي هي عمود الدِّين، وجعل لها أركانا وواجبات، وهيئات تليق بمنظر الإنسان.
ولا بد أن يتأدب المصلي بالآداب الشرعية ، وأن تكون صلاته كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ r وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا فَقَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ رواه البخاري
فالمؤمن يتشبه بالرسول r، ولا يتشبه بالحيوانات فلا يبرك بروك البعير فينزل على يديه، ولا ينقر في الصلاة نقرا بل يطمئن في ركوعه وسجوده وباقي أركانه ولا يفترش ذراعيه كما يفعل السبع ، فإذا سجد يرفع ذراعيه ويعتمد على كفيه في الأرض . ولا يقعي كإقعاء الكلب ، فينصب ساقيه وفخذيه وهو جالس ، ويعتمد على يديه كهيئة الكلب ، بل يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى ،
ويكره الإيماء بالأيدي عند السلام كأذنَابِ خَيْل شُمْس ـ أي حالَ السَّلام ـ؛
فعن عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله r عَنْ ثَلاَثٍ: «عَنْ نَقْرَةِ الغُرَابِ، وعَنْ فَرْشَةِ السَّبُعِ، وأَنْ يُوطِنَ الرَّجُلُ المكَانَ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ كَمَا يُوطِنُ البَعِيرُ» رواه أحمد وغيره بسند حسن
وعن أبي هُرَيرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله r: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَيَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الجَمَلُ». رواه أحمد وغيره بسند صحيح.
وعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَني رَسُولُ الله r بثلاثٍ، ونَهَانِي عن ثَلاَثٍ: «أَمَرَنِي بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى كُلَّ يَوْم، وَالوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، وصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ونَهَانِي عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ، وإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الكَلْبِ، والْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ». رواه أحمد بسند حسن
وعن أَنَس عن رَسُولِ الله r قَالَ: «اعْتَدِلُوا في السُّجُودِ، ولَا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ بَسْطَ الكَلْبِ». رواه النَّسائي بسند حسن
وعن جابرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ r فَنُسَلِّمُ بِأَيْدِينَا، فَقَال: مَا بَالُ هَؤُلاَءِ يُسَلِّمُونَ بِأَيْدِيهِمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ، أَمَا يَكْفِي أَحَدُهُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ» رواه مسلم
وقَد جمع هذه الأوصاف الصَّنعاني : بقوله:
إذا نحنُ قُمنا في الصَّـلاة فإنَّنا نُهينا عن الإتيانِ فيها بستَّـــة
بُرُوك بعير والتفـاتٌ كثعلَب ونقرُ غُراب في سُجود الفَريضَـة
وإقعاءُ كلب أو كبَسْط ذراعِه وأذنابُ خَيْل عند فِعل التَّحيَّــة
وزدنا كتَدبيـح الحمار بمَدِّه لعُنق وتصويبٍ لرأسٍ بركعَــة
وهكذا فالإسلامَ كرم الإنسان حتى في هيئته وأمره أن يقوم بين يدَي الله تعالى راكعًا وساجدًا ومتذللًّا، فعلى المُسلم أن يربَأَ بنفسِه أن يتشبه بالحيوان، وأن يكون متميزا عنه كما ميزه ربه وأن يحسن علاقته معه سبحانه وأن يقتدي بنبيه r
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة