الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | أهمية الهدية في الاسلام

اليوم : الجمعة 9 ذو القعدة 1445 هـ – 17 مايو 2024م
ابحث في الموقع

أهمية الهدية في الاسلام


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فالهدية وسيلة سحرية للمحبة فقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية واديين من إبل وغنم, فأسلم صفوان وحسن إسلامه ثم سخَّر كل ما يملك لخدمة الإسلام, فعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى صَارَ وَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ رواه أحمد بسند صحيح.

وللهدية أثر عظيم في استجلاب المحبة وتأليف القلوب.

وهي دليل الحب والصفاء، وقد قبلها النبي صلى الله عليه وسلم ، قبلها من المسلم والكافر، وحث عليها وعلى قبولها، فعَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا. رواه أبو داود بسند صحيح.

 ومعنى يثيب عليها : أي يجازي المهدي بهدية أيضا.

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. رواه أبو داود بسند حسن صحيح

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ: أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ، ضَرَبَ بِيَدِهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَكَلَ مَعَهُمْ. أخرجه البخاري

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله: ] يا نساء المسلمات، لا تَحْقِرَنَّ جارة لجارتها، ولو فِرْسِنَ شاة[ . رواه البخاري

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله  r: ] تهادوا فإن الهبة تُذْهِبُ وحَرَّ الصدر، ولا تَحقِرَنَّ جارة لجارتها ولو شقَ فِرْسِن شاة[. رواه الترمذي بسند حسن

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 'تَهَادَوْا تَحَابُّوا' رواه البخاري في الأدب المفرد بسند حسن.

وإذا رددت الهدية فبين سبب ذلك فعن صَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ. أخرجه البخاري

إياك أن تهدي ثم تمن

ولا تهدي ثم تمن على من أهديت له، قال الله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) } [البقرة: 263، 264]

حكم الهدية :

والهدية جائزة بالإجماع اذا لم يكن ثمة مانع شرعي, وقد تكون محرمة إذا كانت من باب الرشوة،  ويجوز قبول الهدية من المشركين والإهداء لهم بشرط أن لا تكون رشوة أو نفاقا أو إقرارا على باطل.

وقد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم الهدية من المشركين، فعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ اخْرُصُوا وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ رواه البخاري

وكذلك فالإهداء للمشركين جائز، قال الله تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) } [الممتحنة: 8 - 10]

وقد ذكر العلماء مواطن تمنع الإهداء أو تمنع قبول الهدية، أذكر بعضا منها.

1.    إذا كانت الهدية شيئا مسروقا أو محرما.

2.    إذا كانت الهدية للكبراء والمسئولين كالقضاة ونحوهم فعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي قَالَ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا رواه البخاري.

وعن عمر بن عبد العزيز : كانت الهدية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية واليوم رشوة.

3.    إذا كانت رشوة: فقد رد سليمان عليه السلام هدية ملكة سبأ

4.    إذا كانت الهدية إنما أهداها صاحبها ليأخذ أكثر منهاـ

5.    إن كان المهدي يعتبر هديته بمثابة الدين عليك.

6.    إذا كان المهدي منانا.

ما لا يُردُ من الهدايا :

الوسائد والطيب واللبن، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ الْوَسَائِدُ وَالدُّهْنُ وَاللَّبَنُ الدُّهْنُ يَعْنِي بِهِ الطِّيبَ. رواه الترمذي بسند صحيح.

قال الطيبي رحمه الله : يريد أن الضيف يكرم بالوسادة والطيب واللبن , وهي هدية قليلة المنة , فلا ينبغي أن ترد . تحفة الاحوذي8/61

وعن أنس قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب. رواه البخاري

حكم الرجوع في الهدية:

ولا يجوز الرجوع في الهدية إلا للوالد على ولده فعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ. رواه البخاري

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ. رواه البخاري.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِىَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِى وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِى يُعْطِى الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِى قَيْئِهِ ». رواه أبو داود بسند صحيح.

وهكذا فإن للهدية أهمية في الاسلام وأنها تصل المقطوع وتقرب البعيد والأفضل أن نكافئ على الهدية ونثيب عليها كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز الرجوع في الهدية إلا للوالد مع ولده والهدية من أفضل ما يقوى العلاقات الاجتماعية بين الناس وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

         الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية