الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | المجاهرة بالمعصية والنفاق

اليوم : الأحد 11 ذو القعدة 1445 هـ – 19 مايو 2024م
ابحث في الموقع

المجاهرة بالمعصية والنفاق

المجاهرة بالمعصية والنفاق

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) } [الجاثية: 21، 22].

وقال: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)(النساء:108)

فالطاعة راحةٌ للقلب وانشراحٌ للصدر وطمأنينة للنفس وإن للأعمال الصالحة أثرًا في زكاة القلبِ قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا) التوبة:103.

والطاعة قوةٌ في البدن وبركة في الرزق وهذا نبي الله هود عليه السلام يوصي قومه بالطاعة والاستغفار لينالوا البركة قال الله تعالى (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ))هود52 والطاعة سكينة وراحة ومحبة في قلوب الناس

والمعصية كل مخالفة لأمر الله وهي ضلال ووصْف قبيح لصاحبها وهي خلاف الطاعة، وهي تهلك النفس، وتقسي القلب، وتمنَع بركة الرزق.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذنوب الخلوة والسر، فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) رواه ابن ماجه بسند صحيح.

وسئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظر إليه.

ولما قال رجل لوهيب ابن الورد : عظني ، قال : اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك.

يا عبد الله إنك إذا خلوت بمعصية الله فما أنت إلا أحد رجلين: إما رجل يعلم أن الله لا يراه ولا يعلم بحاله، فهذا كافر بالله العظيم لإنكاره علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وإما أنك تعلم أنه يراك ومع هذا تجترئ على معصيتك فأنت والله جرئ.

وقد أجمع العارفون بالله بأن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن عبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات

 يقول ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -:'وإن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك؛ فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت'

فمن استهان بِنظر الله له، وربما جعله أهون الناظرين فهذا شأن المنافقين، الذين إذا خلوا بِمحارِم الله انتهكوها.

أما إذا ارتكب العبد ذنبا من غير استهتار ولا استحقار بل بسبب غفلة أو نسيان فهذا من العصاة لا من المنافقين لكن عليه أن لا يزكي نفسه ولا يحدث أنني أفضل الناس فلا أرتكب ذنبا ولا معصية لأن هذا كذب وكبر لأن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وعلى الإنسان أن يعترف بالتقصير وعليه أن يخفي ذنبه ولا يبديه.

فالعاصي الذي يخاف الله هو الذي يخفي معصية خوفا من الله أولا ثم خوفا من علم الناس ثانيا حتى لا يكون من المجاهرين والمجترئين على الله.

أما المنافق فلا يخاف من معصية ولا يؤمن بالدين أصلا بل هو يخاف أن يظهر كفره وأن يعلنه فربما كتم معصيته خوفا من الناس لا من الله.

والعاصي مهما بعد عن الله فإنه يعود ويرجع ويتوب أما المنافق فليس من شأنه ذلك بل يعصي ويرتكب الكبائر ولا يفكر في الذنب والمعصية لأن قلبه لا يؤمن بالله واليوم الآخر.

وعلى العاصي أن لا ييأس من رحمة الله وأن يتوب إلى الله فباب التوبة مفتوح.

ويمكن للعاصي أو المنافق أن يتوب إلى الله لينتهي من معصيته أو نفاقه.

وسيبقى الرب ربا والعبد عبدا ولا عصمة إلا لمن عصم الله فإذا أخطأ العبد فلا بد من التوبة فهي تجب ما قبلها فعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ رواه الترمذي بسند حسن

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ رواه مسلم. وكل ذلك من رحمة الله ولطفه.

فالتوبة من المعاصي والذنوب واجبة على المسلم، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31 ' وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً }التحريم8

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

       الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية