الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | القصاص في الإسلام

اليوم : الأحد 11 ذو القعدة 1445 هـ – 19 مايو 2024م
ابحث في الموقع

القصاص في الإسلام

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: )وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ( [الأنعام:151].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ. رواه البخاري.

حرَّم الله سبحانه الدماء والأموال والأعراض، وأكَّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حَجَّة الوداع، حيث قال لهم: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا. رواه أبو داود بسند صحيح.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ رواه مسلم.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَا أَطْيَبَكِ، وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكَ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَكِ حَرَامًا، وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ مَالَهُ وَدَمَهُ وَعِرْضَهُ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ ظَنًّا سَيِّئًا» رواه الطبراني: المعجم الكبير بسند ضعيف.

إن المسلم بنيان الله ولا يحق لأحد أن يهدم بنيانه، إن حرمة المسلم عظيمة عند الله، إن حرمته أشد من حرمة الكعبة المشرفة التي ترتادها ويؤمها المسلمون.

وعَن يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ أَبُو الْحَكَمِ الْبَجَلِيُّ قَال سَمِعْتُ أَبَا الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّار. رواه الترمذي بسند صحيح.

فالإنسان بُنيان الله تعالى، وليس لأحد أن يَهْدم هذا البناء، ولا يملكه إلا الله فالله هو المتصرف في هذا الملك بل لا يحق للإنسان نفسه أن يَهدم هذا البناء، وأن يَقتل نفسه وينتحر، ومَن فعل ذلك فقد حرم الله عليه الجنة وغضب الله عليه.

وعن جندب قَالَ كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ اللَّهُ:( بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) رواه البخاري.

لقد حرَّم الله هذه الدماء، على المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحرمها على الأمم السابقة وفي كافة الرسالات قال الله تعالى عن بني إسرائيل: )مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً( [المائدة:32].

فلا يجوز لإنسان أن يقتل نفسا بغير حق ... فالنفس معصومة، حرَّم الله قتلها ما دامت غير معتدية قال الله تعالى: )وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ( [الأنعام:151].

ولا يجوز أن يُعتدى على النفس المعصومة إلا بالحق بأن قتلت أو فعلت ما تستحق عليه القتل ولقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم مستحقات القتل بثلاث: }الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة{ وغير ذلك لا يجوز.

قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق: قال الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

 [البقرة: 179].

 ولماذا القصاص؟

لأن الأمر إذا تُرك دون ردع وقسوة كانت النتيجة أن يتجرَّأ المُعتدون، وأن يثأر أولياء المقتول بأكثر مما اعتُدي عليهم، حتى ينتشر العدوان، وتشتعل النار.

فقرَّر الإسلام مبدأ القصاص، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178].

 ولهذا فإن الذين يَدعُونَ إلى إلغاء عقوبة القصاص للقاتل: هم قوم يخالفون دين الله، وينتهكون حدوده ويعطلون أحكامه فالقصاص مفروض في الإسلام بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178]، فالدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام خروج عن دين الله، لماذا هذه الرأفة بالقاتل والمجرم وأين الرأفة بالمقتول وأهله؟

وقال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].

 إن ظاهر القصاص أنه إزهاق روح وهو شر لكن الخير مكنون في داخله حيث إنه حياة للناس من الضرر أن يقتل شخص ومن الضرر أن ينتشر القتل في المجتمع وهنا مفسدتان فنقدم المفسدة الصغيرة ونقتل الواحد حتى ينجو الكل وهذا من فلسفة الإسلام بالقصاص وصدق الله أنه حياة.     

والثأر مرفوض في الإسلام، كان العرب في الجاهلية، إذا قُتلَ واحدٌ من قبيلة، قَتلت قبيلته اثنين أو أكثر ... ولا يكتفون بالمماثلة في القصاص ... مع أن القصاص معناه المساواة ... أي النفس بالنفس.

 وكان الرومان قبل الإسلام لا يقتلون كلَ نفس بأي نفس، إنما إذا قَتَلَ الشريفُ رجلا من غير الأشراف، فإنه لا يستحقُّ القتل، وإذا قَتَلَ رجل من طبقته، فإنه يستحقُّ القتل ... وجاء في تعاليم الإنجيل: (مَن لطمك على خدك الأيمن فأَدِر له خدك الأيسر) [10]. فهو أمر بالعفو.

فجاء الإسلام بالأمر الوسط، فليس هناك عفو واجب، وليس هناك قصاص بأكثر من المثل، قال الله تعالى حاثاً على العفو: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].

وعندما طُعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في رمضان سنة أربعين هجرية، الذي قتله اغتيالا عبد الرحمن بن مُلجَم، وقد أمسك المسلمون به، فقال علي رضي الله عنه، إن عشت فأنا أقتص أو أعفو، فإن مت فضربةٌ بضربة، وأن تعفوا أقرب للتقوى.

فيجب على الإنسان ألا يعتدي ولا يظلم فمن قتل له قريب فعليه أن يمكن من القصاص فإما أن يأخذ حقه وإما أن يتركه لله تعالى ويعفو عن المقتول والعفو أفضل وخاصة بعد المقدرة. وإذا أراد أولياء المقتول أن يقتلوا القاتل فلا يجوز لهم التمثيل ولا الإسراف في القتل, فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم.

 فالمرء الذي يُقتل قصاصًا ينبغي أن يكون قتله بغير مُثلة ولا تعذيب، ألا يُقتل إلا إذا قَتل فعلاً.

فلا يُقتل إنسان بمجرد التهمة على أنه كان يفكر في القتل، أو أنه أعدَّ مؤامرة ليَقتل، أو دبَّر أمر القتيل.

ولنتعلم من سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حينما قاتل البُغاة الذين خرجوا عليه وهو أمير المؤمنين، قال لأنصاره وقد وضع البُغاة السلاح: دعوهم لا يُتَّبع مُدبرٌ، أو يُقتلُ أسير، ولا يُجهَزُ على جريح لأنهم مسلمون.

والإسلام يحترم دماء الناس، وأرواحهم، ولا يُجيز قتل امرئ لأنه قال كلمة أو شتم إنسانًا أو ضربه ...

ويجوز القتل دفاعًا عن النفس، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَالَ قَاتِلْهُ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِي النَّار، رواهِ مسلم.

جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعه سيف يقطُر دمًا، وخلفه رجال يقبضون عليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا الرجل قتل ابننا. فقال له عمر: أحق ما يقولون؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنما ضربت بسيفي فخذي امرأتي، فإن كان بينهما رجل فقد قتلتُه. فقال لهم عمر: أكذلك؟ قالوا: نعم. فأعطاه عمر السيف وقال له: خذ، فإن عادوا فعد؛ لأن هذا الرجل كان يدافع عن عرضه ولم يقصد القتل.

هذا وإن الذي يتولى القصاص هو ولي الأمر هو الذي عليه أن يقتص، وأن يستوفي العقوبة في الإسلام، يستوفي ولي المقتول العقوبة بيده، ولكن بإذن الإمام، ولا يجوز له أن يقتص أو يجعل من نفسه قاضيًا، بل لا بد من إذن الحاكم، لأنه لو تُرك الأمر هكذا، لانتشرت الفوضى؛ لذلك لا بد للمسلمين أن يحفظوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم ووطنهم وعليهم أن يقيموا حدود الله، وقد يخطئ الإنسان ويقتل غيره ويشاء الله أن يعفو أهل المقتول عنه فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فتب إلى الله ولا تيأس من رحمة الله واقرأ قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان: 68 - 70].

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى أله أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

 

 القصاص في الإسلام

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: )وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ( [الأنعام:151].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ. رواه البخاري.

حرَّم الله سبحانه الدماء والأموال والأعراض، وأكَّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حَجَّة الوداع، حيث قال لهم: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا. رواه أبو داود بسند صحيح.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ رواه مسلم.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَا أَطْيَبَكِ، وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكَ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَكِ حَرَامًا، وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ مَالَهُ وَدَمَهُ وَعِرْضَهُ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ ظَنًّا سَيِّئًا» رواه الطبراني: المعجم الكبير بسند ضعيف.

إن المسلم بنيان الله ولا يحق لأحد أن يهدم بنيانه، إن حرمة المسلم عظيمة عند الله، إن حرمته أشد من حرمة الكعبة المشرفة التي ترتادها ويؤمها المسلمون.

وعَن يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ أَبُو الْحَكَمِ الْبَجَلِيُّ قَال سَمِعْتُ أَبَا الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّار. رواه الترمذي بسند صحيح.

فالإنسان بُنيان الله تعالى، وليس لأحد أن يَهْدم هذا البناء، ولا يملكه إلا الله فالله هو المتصرف في هذا الملك بل لا يحق للإنسان نفسه أن يَهدم هذا البناء، وأن يَقتل نفسه وينتحر، ومَن فعل ذلك فقد حرم الله عليه الجنة وغضب الله عليه.

وعن جندب قَالَ كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ اللَّهُ:( بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) رواه البخاري.

لقد حرَّم الله هذه الدماء، على المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحرمها على الأمم السابقة وفي كافة الرسالات قال الله تعالى عن بني إسرائيل: )مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً( [المائدة:32].

فلا يجوز لإنسان أن يقتل نفسا بغير حق ... فالنفس معصومة، حرَّم الله قتلها ما دامت غير معتدية قال الله تعالى: )وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ( [الأنعام:151].

ولا يجوز أن يُعتدى على النفس المعصومة إلا بالحق بأن قتلت أو فعلت ما تستحق عليه القتل ولقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم مستحقات القتل بثلاث: }الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة{ وغير ذلك لا يجوز.

قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق: قال الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

 [البقرة: 179].

 ولماذا القصاص؟

لأن الأمر إذا تُرك دون ردع وقسوة كانت النتيجة أن يتجرَّأ المُعتدون، وأن يثأر أولياء المقتول بأكثر مما اعتُدي عليهم، حتى ينتشر العدوان، وتشتعل النار.

فقرَّر الإسلام مبدأ القصاص، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178].

 ولهذا فإن الذين يَدعُونَ إلى إلغاء عقوبة القصاص للقاتل: هم قوم يخالفون دين الله، وينتهكون حدوده ويعطلون أحكامه فالقصاص مفروض في الإسلام بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178]، فالدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام خروج عن دين الله، لماذا هذه الرأفة بالقاتل والمجرم وأين الرأفة بالمقتول وأهله؟

وقال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].

 إن ظاهر القصاص أنه إزهاق روح وهو شر لكن الخير مكنون في داخله حيث إنه حياة للناس من الضرر أن يقتل شخص ومن الضرر أن ينتشر القتل في المجتمع وهنا مفسدتان فنقدم المفسدة الصغيرة ونقتل الواحد حتى ينجو الكل وهذا من فلسفة الإسلام بالقصاص وصدق الله أنه حياة.     

والثأر مرفوض في الإسلام، كان العرب في الجاهلية، إذا قُتلَ واحدٌ من قبيلة، قَتلت قبيلته اثنين أو أكثر ... ولا يكتفون بالمماثلة في القصاص ... مع أن القصاص معناه المساواة ... أي النفس بالنفس.

 وكان الرومان قبل الإسلام لا يقتلون كلَ نفس بأي نفس، إنما إذا قَتَلَ الشريفُ رجلا من غير الأشراف، فإنه لا يستحقُّ القتل، وإذا قَتَلَ رجل من طبقته، فإنه يستحقُّ القتل ... وجاء في تعاليم الإنجيل: (مَن لطمك على خدك الأيمن فأَدِر له خدك الأيسر) [10]. فهو أمر بالعفو.

فجاء الإسلام بالأمر الوسط، فليس هناك عفو واجب، وليس هناك قصاص بأكثر من المثل، قال الله تعالى حاثاً على العفو: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].

وعندما طُعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في رمضان سنة أربعين هجرية، الذي قتله اغتيالا عبد الرحمن بن مُلجَم، وقد أمسك المسلمون به، فقال علي رضي الله عنه، إن عشت فأنا أقتص أو أعفو، فإن مت فضربةٌ بضربة، وأن تعفوا أقرب للتقوى.

فيجب على الإنسان ألا يعتدي ولا يظلم فمن قتل له قريب فعليه أن يمكن من القصاص فإما أن يأخذ حقه وإما أن يتركه لله تعالى ويعفو عن المقتول والعفو أفضل وخاصة بعد المقدرة. وإذا أراد أولياء المقتول أن يقتلوا القاتل فلا يجوز لهم التمثيل ولا الإسراف في القتل, فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم.

 فالمرء الذي يُقتل قصاصًا ينبغي أن يكون قتله بغير مُثلة ولا تعذيب، ألا يُقتل إلا إذا قَتل فعلاً.

فلا يُقتل إنسان بمجرد التهمة على أنه كان يفكر في القتل، أو أنه أعدَّ مؤامرة ليَقتل، أو دبَّر أمر القتيل.

ولنتعلم من سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حينما قاتل البُغاة الذين خرجوا عليه وهو أمير المؤمنين، قال لأنصاره وقد وضع البُغاة السلاح: دعوهم لا يُتَّبع مُدبرٌ، أو يُقتلُ أسير، ولا يُجهَزُ على جريح لأنهم مسلمون.

والإسلام يحترم دماء الناس، وأرواحهم، ولا يُجيز قتل امرئ لأنه قال كلمة أو شتم إنسانًا أو ضربه ...

ويجوز القتل دفاعًا عن النفس، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَالَ قَاتِلْهُ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِي النَّار، رواهِ مسلم.

جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعه سيف يقطُر دمًا، وخلفه رجال يقبضون عليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا الرجل قتل ابننا. فقال له عمر: أحق ما يقولون؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنما ضربت بسيفي فخذي امرأتي، فإن كان بينهما رجل فقد قتلتُه. فقال لهم عمر: أكذلك؟ قالوا: نعم. فأعطاه عمر السيف وقال له: خذ، فإن عادوا فعد؛ لأن هذا الرجل كان يدافع عن عرضه ولم يقصد القتل.

هذا وإن الذي يتولى القصاص هو ولي الأمر هو الذي عليه أن يقتص، وأن يستوفي العقوبة في الإسلام، يستوفي ولي المقتول العقوبة بيده، ولكن بإذن الإمام، ولا يجوز له أن يقتص أو يجعل من نفسه قاضيًا، بل لا بد من إذن الحاكم، لأنه لو تُرك الأمر هكذا، لانتشرت الفوضى؛ لذلك لا بد للمسلمين أن يحفظوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم ووطنهم وعليهم أن يقيموا حدود الله، وقد يخطئ الإنسان ويقتل غيره ويشاء الله أن يعفو أهل المقتول عنه فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فتب إلى الله ولا تيأس من رحمة الله واقرأ قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان: 68 - 70].

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى أله أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

 

 

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية