الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد،
فالماء من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على هذا الكون، وبتتبع آيات القرآن الكريم نجد أن عشرات الآيات ذكرت الماء، وبينت تفضل المنعِم سبحانه وتعالى على عباده به، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30]، ويقول أيضًا: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 99].
والمحافظة على الماء من أوجب الواجبات في شريعتنا الغراء ومقاصدها المُنيفة، وتحرم شرعًا التصرفات التي تفسد الماء وتلوثه، ويمكن أن يستدل على ذلك بأدلة منها:
أولًا- نهى الإسلام عن الإفساد في الأرض، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 85]، ومن أشد صور الإفساد الإضرار بالماء وتلويثه.
ثانيًا- قرر الإسلام أنه يحرم الإضرار(عموما)، فعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ 'أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ'. [رواه ابن ماجه بسند حسن (38/ 78) رقم 2340]، وعدم المحافظة على الماء فيه إضرار كبير.
ثالثًا- نهى الإسلام عن الإسراف بشكل عام وفي استخدام الماء بشكل خاص، ولو في العبادة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: 'مَا هَذَا السَّرَفُ؟' فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: 'نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ' [رواه ابن ماجه بسند مختلف في صحته (1/ 147) رقم 425]، وإذا كان الإسراف في الماء ممنوعًا فتلويثه وإفساده أولى بالمنع.
رابعًا- أرشدت الشريعة الإسلامية إلى جملة من الأمور الوقائية التي تحفظ الماء من التلوث، أقتصر على حديثين اثنين:
1- عن أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» [رواه مسلم (1/ 235) رقم 282]، وهذا النهي خشية من تلوث الماء وإفساده.
2- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ». [رواه مسلم (1/ 225) رقم 267]، فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن التنفس في الماء؛ خشية تعريضه للفساد.
وبعد هذا البيان، يتبين اهتمام الإسلام بقضية الماء، والمحافظة عليه، والمنع من الإضرار به، وخلط ماء الأمطار بالمياه العادمة مع القدرة على الفصل بينهما كل ذلك أمر محرم غير جائز.
وعليه فلا يجوز خلط الماءين إذا كان بالإمكان الاستفادة من ماء المطر في الشرب وسقي الدواب وري الأراضي الزراعية.
والواجب على الجهات المسؤولة العمل على المحافظة على الماء من التلويث والهدر؛ لينتفع الناس منه؛ إذ إن المحافظة عليه نوع من شكر المنعِم، لا سيما في ظل الحاجة الماسة إلى الماء الصالح عندنا، وعليه فلا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة والمتاحة التي تحافظ على الماء كمًا وكيفًا، فالماء حق مشترك بين الناس جميعًا، فعن أبي خِدَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا أَسْمَعُهُ، يَقُولُ: 'الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ' [رواه أبو داود بسند صحيح (3/ 278) رقم 3477].
والله الموفق والهادي، وهو من وراء القصد.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة