الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | ليلة النصف من شعبان فضلها وحكم الاحتفال بها

اليوم : الجمعة 17 شوَّال 1445 هـ – 26 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

ليلة النصف من شعبان فضلها وحكم الاحتفال بها

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}' سورة الدخان الآيات:3-4

قال ابن كثير-رحمه الله- في قوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} ' يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}'4) - سورة القدر:1.

وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }'5) - سورة البقرة: الآية185.

وهذا ما ذهب إليه الجمهور أن الليلة المباركة هي ليلة القدر وهو الراجح.

وقال عكرمة: هي ليلة النصف من شعبان حيث قال في تفسير قوله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}' سورة الدخان الآيات:3-4

هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان، يبرم فيها أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.

واختلف الفقهاء في فضل ليلة النصف من شعبان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: 'ومن هذا الباب: ليلة النصف من شعبان، فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة.

 ومن العلماء: من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف، من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث: «إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم كلب». وقال: لا فرق بينها وبين غيرها.

لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم، من أصحابنا وغيرهم -على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: ابن تيمية (2/ 136)

ومما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ما رواه أَبو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ. [رواه ابن ماجه بسند صحيح (1/ 445) رقم 1390].

وفي رواية: فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِين، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ '. رواه الطبراني وصححه الألباني

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ' يَطَّلِعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ، وَقَاتِلِ نَفْسٍ ' [رواه أحمد بسند صحيح (6/ 198) رقم 6642]

ولا بد للمسلم أن يجتهد في العبادة وخاصة في الأوقات المفضلة والأماكن المفضة لأنها مدعاة للنشاط والعمل فعن محمد بن مسلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ لِرَبِّكُمْ في أيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفحاتٍ فَتَعَرَّضُوا لهُ لَعَلَّهُ أنْ يِصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْها فلا تَشْقَوْنَ بعدها أبداً. }رواه الطبراني: الكبير بسند صحيح (19/ 233) رقم 519{

فالله تعالى فضل بعض الأشياء على بعض، وبعض الأزمنة والأوقات على بعض، ففضل شهر رمضان، والعشر الأواخر منه، وليلة القدر، وعشر ذي الحجة، والثلث الأخير من الليل، وشهر شعبان.

وابتدع بعض الناس بدعا فيها، منها:

1-            الدعاء الذي يقال في ليلة النصف من شعبان وهو دعاء مكذوب لا يجوز نسبته للنبي وهو:

'اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين، اللهم أن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً، أو مطروداً أو مقتراً عليَّ في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني، وطردي وإقتار رزقي، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل، على لسان نبيك المرسل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }. إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم أسألك أن تكشف عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم، وما أنت به أعلم إنك أنت الأعز الأكرم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم'.

وهذا الدعاء ليس له أصل صحيح في السنة.

2-            قراءة سورة (يس)، وصلاة ركعتين قبله، يفعلون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات،

يصلون المرة الأولى بنية طول العمر، والثانية بنية دفع البلايا، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس.

3-            من البدع ما يسمى بالصلاة الألفية المبتدعة في شعبان.

وأول من أحدثها في ليلة النصف من شعبان رجل يعرف بابن أبي الحمراء من أهل نابلس، قدم على بيت المقدس سنة 448هـ وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة.

ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة.

صفتها:

تصلى مائة ركعة يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات.

وقد رويت صفة هذه الصلاة، والأجر المترتب على أدائها، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات ونص الأثر المكذوب قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: (يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و ((قل هو الله أحد )) عشر مرات. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة.......)) الحديث. وهذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم.

4-            صلاة ثنتي عشرة ركعة كما روي: (من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة

ركعة، يقرأ في كل ركعة((قل هو الله أحد) ثلاثين مرة، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة...). وهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم إحياء ليلة النصف من شعبان

قال الحافظ ابن رجب: 'وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم وافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا: ذلك كله بدعة.

واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:

أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ووافقهم إسحاق بن راهوية على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ببدعة نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.

والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى. لطائف المعارف: ابن رجب (ص: 137)

وأذكر بحديث عَائِشَة، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». [رواه مسلم (3/ 1343) رقم 1718].

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ». [رواه البخاري (3/184) رقم 2697].

فلا يجوز الإحداث في الدين وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

        الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية