الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | شهر شعبان: صيامه، وفضائله، وبعض أحكامه، وليلة النصف منه

اليوم : الجمعة 10 شوَّال 1445 هـ – 19 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

شهر شعبان: صيامه، وفضائله، وبعض أحكامه، وليلة النصف منه

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فعن محمد بن مسلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ لِرَبِّكُمْ في أيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفحاتٍ فَتَعَرَّضُوا لهُ لَعَلَّهُ أنْ يِصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْها فلا تَشْقَوْنَ بعدها أبداً. [رواه الطبراني: الكبير بسند صحيح (19/233) رقم 519]

فالله تعالى فضل بعض الأشياء على بعض، وبعض الأزمنة والأوقات على بعض، ففضل شهر رمضان، والعشر الأواخر منه، وليلة القدر، وعشر ذي الحجة، والثلث الأخير من الليل، وشهر شعبان.

ولشهر شعبان فضائل عظيمة منها:

1-            ترفع الأعمال فيه، فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: ' ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ' [رواه النسائي بسند حسن (4/201) رقم 2357].

2-            كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام فيه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: 'مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ'. [رواه البخاري (3/38) رقم 1969].

وعَنِ ابْنِ أَبِى لَبِيدٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ ' كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ. وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً '.  [رواه مسلم (2/810) رقم 1156].

قال النووي: 'وَقَوْلُهَا كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ وَبَيَانٌ أَنَّ قَوْلَهَا كُلَّهُ أَيْ غَالِبَهُ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَيَصُومُ بَعْضَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَتَارَةً بَيْنَهُمَا وَمَا يُخَلِّي مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ فِي سِنِينَ وَقِيلَ فِي تَخْصِيصِ شَعْبَانَ بِكَثْرَةِ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ'. شرح النووي على مسلم (8/ 37)

وقال ابن حجر: 'فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ تَارَةً وَيَصُومُ مُعْظَمَهُ أُخْرَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ وَاجِبٌ كُلُّهُ كَرَمَضَانَ'. فتح الباري لابن حجر (4/ 214)

يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شعبان كاملاً، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: وَلا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلا صَامَ شَهْرًا كَامِلا غَيْرَ رَمَضَانَ. [رواه مسلم (1/513) رقم 746]

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ. [رواه البخاري (3/39) رقم1971]

والحكمة من إكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصيام في شهر شعبان أن كثيرا من الناس يغفل عنه، حيث يقع بين رجب -الذي تعظمه الجاهلية- ورمضان الذي يعظمه المسلمون، فانشغل الناس بهما عنه، فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: ' ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ'. [رواه النسائي بسند حسن (4/201) رقم 2357].

وشهر شعبان وإن لم يكن من الأشهر الحرم إلا أنه شهر فضيل.

3-            يرى بعض الفقهاء أن صيامه أفضل من صيام غيره؛ لأن أفضل التطوع بالصيام ما كان قريبا من صيام الفرض قبله أو بعده، فيكون لصيام رمضان بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فصوم شعبان كالقبلية لرمضان، وصيام الست من شوال كالبعدية لرمضان.

قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.

وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان.

ليلة النصف من شعبان

وورد في فضل هذه الليلة آثار كثيرة، لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه صح بعضها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كحديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ. [رواه ابن ماجه بسند صحيح (1/ 445) رقم 1390].

حكم الصيام بعد النصف من شهر شعبان

ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن الصيام بعد النصف من شعبان، فعَنْ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا». [رواه أبو داود بسند صحيح (2/300) رقم 2337].

وهذا الحديث يدل على عدم جواز الصيام بعد النصف من الشهر، غير أنه ورد ما يدل على جواز الصيام، كحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذلِكَ الْيَوْمَ. [رواه البخاري (3/28) رقم 1914]

وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ. [رواه مسلم (2/ 762) رقم 1082]

فهذا يدل على جواز الصيام بعد النصف من شعبان إلا يوما أو يومين، حتى لا يصله برمضان.

ووردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من صيام شعبان، وكان يصوم معظم الشهر؛ مما يدل على أنه كان يصوم بعد النصف من الشهر، فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. [رواه النسائي بسند حسن (4/201) رقم 2357].

وعن عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُه أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. [رواه البخاري (3/38) رقم 1969].

ويتبين ما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم بعد النصف الأول، وعليه فيجوز الصيام بعده لمن كانت له عادة أو وصله بما قبله، أو صام قضاء أو نذرا أو كفارة.

 أما من لم تكن له عادة أو لم يصله بما قبله أو لم يكن له سبب فالأفضل عدم الصيام بعد النصف.

وهكذا فإن شهر شعبان كله خير، كيف لا وهو قريب من رمضان، فلا بد من الاستعداد له كما نستعد لرمضان، ذاك الضيف العزيز.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                 الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية