الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | ما حكم سماع الغناء الهادئ غير الصاخب؟

اليوم : الجمعة 17 شوَّال 1445 هـ – 26 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

ما حكم سماع الغناء الهادئ غير الصاخب؟

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فالغناء شعر حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فإن كان الغناء من غير إيقاع ولا موسيقى، وكانت الكلمات عفيفة وحسنة، ولم يكن قائلها امرأة، فالاستماع إليه مباح، وإن صحبه آلات موسيقية، فالراجح عند العلماء الحرمة.

قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان: 6، 7]

فتدل الآيتان الكريمتان على أن استماع آلات اللهو والغناء الماجن من أسباب الضلال، وتوعد الله تعالى من فعل ذلك بالعذاب المهين.

وسُئلَ عبد الله بن مسعود -رضيَ اللهُ عنه- عن هذه الآيةِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}، فقال: هو الغناءُ، والذي لا إله إلّا هوَ- يُردِّدُها ثلاثَ مراتٍ-» [رواه البيهقي بسند صحيح].

وَعَنْ أنس بن مالك -رضيَ اللهُ عنه- قال: قال رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلَّم-: «لَيَكُونَنَّ فِي هذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ، وَقَذْفٌ، وَمَسْخٌ، وَذلِكَ إِذَا شَرِبُوا الخُمُورَ، وَاتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ، وَضَرَبُوا بِالمَعَازِفِ» [رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي].

وعَنْ نَافِعٍ -رحمهُ الله-، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ صَوْتَ زُمَّارَةِ رَاعٍ، قَالَ: فَجَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَعَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ وَجَعَلَ، يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ، فَلَمَّا قُلْتُ: لَا، رَاجَعَ الطَّرِيقَ، ثُمَّ، قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ» [رواه ابن حبان بسند صحيح].

وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ -رحمهُ الله- قَالَ: {كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رحمهُ الله- إِلَى عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ كِتَابًا، فِيهِ: وَقَسْمُ أَبِيكَ لَكَ الْخُمُسُ كُلُّهُ، وَإِنَّمَا سَهْمُ أَبِيكَ كَسَهْمِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ حَقُّ اللهِ، وَحَقُّ الرَّسُولِ، وَذِي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، فَمَا أَكْثَرَ خُصَمَاءَ أَبِيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكَيْفَ يَنْجُو مَنْ كَثُرَتْ خُصَمَاؤُهُ؟ وَإِظْهَارُكَ الْمَعَازِفَ وَالْمِزْمَارَ بِدْعَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ إِلَيْكَ مَنْ يَجُزُّ جُمَّتَكَ جُمَّةَ السُّوءِ} [رواه النسائي بسند صحيح].

وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ» [صحيح البخاري (7/ 106)].

، والمراد بالحر: الزنى، والمعازف: آلات اللهو.

وحكم الزنى حرام، وكذا ما عطف عليه؛ لأن فيه صدا عن سبيل الله، فالواجب على كل مسلم ملتزم أن يبتعد عن هذه المحظورات.

والاستماع إلى الأغاني حرام، وهو من أسباب مرض القلوب وقسوتها، وفيها الصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

وذهب فريق من الفقهاء إلى إباحة الطبل والآلات زاعمين أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يحرم ذلك.

والواجب على المسلم أن يستبدل الغناء والموسيقى بالأناشيد الإسلامية من غير إيقاع، ففيها العِبَر والمواعظ، وفيها ما يثير الحماس والعمل لهذا الدين، وتَبعَثَ في النفس النشاط والهمة، بشرط ألا يتخذ المسلم ذلك وِرْداً يلتزمه، وعادةً ينتهي إليها، بل يروح عن نفسه بين الفينة والفينة، وذلك في المناسبات، كالأعراس ونحوها.

وأفضل من ذلك كله أن يواظب المسلم على تلاوة القرآن وذكر الله تعالى، فإن ذلك أزكَى للنفس وأطهر، والله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

 وقال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23] وكان الصحابة رضي الله عنهم يعتنون بالقرآن والسنة حفظاً وعملاً، ومع ذلك كانت لهم أناشيد من غير إيقاع يترنمون بها، ظهرت في حفرِ الخندق وبناء المسجد وفي الجهاد وغيرها. والله أعلى وأعلم.

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية