الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد،
فيقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [المائدة: 51]
والتجسس: هو التفتيش عن بواطن الأمور، والجاسوس هو الذي يطلع على عورات المسلمين وينقل أخبارهم للعدوّ
والتجسس لصالح العدو جريمة من الجرائم وكبيرة من الكبائر وخيانة عظمى وقد يصل إلى حد الردة وهو من الإفساد في الأرض والنفاق وخيانة لله ورسوله والمؤمنين وموالاة للكفار والمنافقين.
والتجسس عداوة لأهل الإيمان وقد نهينا عن اتخاذ العدو وليا من دون المؤمنين قال الله تعالى:' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقّ ...). [الممتحنة: 1]
ومعلوم من قصة حاطب –المسلم- الذي ضعف إيمانه خوفا على نفسه فأرسل رسالة للعدو مفادها أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- يتجهز لغزوكم ولم يحصل من هذه الرسالة ضرر ومع ذلك جاء القرآن يعاتب حاطبا ليقول له وإن كان قصد سليما إلا أنه لا يجوز موالاة الأعداء
والمؤمنون أولياء بعضهم قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... } [التوبة: 71] فيجب موالاتهم ومودتهم.
والكفار أولياء بعضهم قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ...} [الأنفال: 73] فلا يجوز موالاتهم ولا مودتهم.
ولم ينجح عدونا يوما في قتل ولا نكاية إلا بسب التجسس والخيانة وإنها لخسة ودناءة كيف يجرؤ إنسان على خيانة وطنه وشعبه كيف يعاون المحتل وكيف يواليه ويدل على المجاهدين والشرفاء.
ويجب على المسلم أن يحافظ على أسرار الوطن والمواطن ولا يساهم في إفشائها فهذه خيانة وقد نهينا عنها قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) } [الأنفال: 27].
واختلف الفقهاء في عقوبة الجاسوس فذهب بعضهم إلى أنه يقتل وذهب بعضهم إلى أنه يعزر بالحبس والجلد والإهانة وهذا إذا لم يتسبب في القتل.
أما الجاسوس الذي يتسبب في قتل أحد أبناء الوطن الشرفاء فمصيره القتل وربما يطبق عليه حد الحرابة والإفساد في الأرض.
أما أهل الجاسوس فلا علاقة لهم به وليس لهم جرم ولا يزرون وزره بل هم مواطنون في ظل الدولة لا يجوز التعدي عليهم ولا تعييرهم ولا زجرهم بل نخفف عنهم ونحتضنهم ونرعاهم لينخرطوا في ظل العدالة والمساواة. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة