الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | أحكام التعزية وآدابها

اليوم : الخميس 16 شوَّال 1445 هـ – 25 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

أحكام التعزية وآدابها

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أمّا بعد:

معنى التعزية:

التعزية في اللغة: التعزية مشتقة من العزاء، وهو الصبر، قال ابن منظور: «العَزَاءُ الصَّبْرُ، تقول: عَزَّيتُ فلاناً أُعَزِّيه تَعْزِيَةً أَي أَسَّيْته، وضَرَبْت له الأُسى، وأَمَرْتُه بالعَزَاء فتَعَزَّى تَعَزِّياً، أَي تَصَبَّرَ تَصَبُّراً، وتَعازى القومُ عَزَّى بعضهم بعضاً» [لسان العرب: ابن منظور(15 / 52( ].

التعزية في الاصطلاح:

قال النووي -رحمه الله-: 'التعزية هي التصبير، وذكر ما يسلي صاحب الميت، ويخفف حزنه، ويهون مصيبته'.[الأذكار النووية للإمام النووي (1/ 214)].

وقال ابن مفلح -رحمه الله-: «هي التسلية، والحث على الصبر بوعد الأجر والدعاء للميت والمصاب» [الفروع: ابن مفلح (3/ 405)].

فالتعزية في الإسلام: هي الأمر بالصبر والحمل عليه، بوعد الأجر، والدعاء للميت بالمغفرة، وللمصاب بجبر المصيبة.

 حكم التعزية:

قال النووي -رحمه الله-: 'هي مستحبة، فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضًا في قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2] [الأذكار النووية للإمام النووي (1/ 214)].

فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «... وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ» [رواه مسلم].

وعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِ، إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: إِنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيأْتِيَنَّهَا؛ فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرِجَالٌ؛ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا شَنٌّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هذَا فَقَالَ: هذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءُ». رواه البخاري ومسلم.

قال النووي-رحمه الله-: ' فهذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام، المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض، ومعنى: ( إِنَّ للهِ مَا أَخَذَ)، أن العالم كله ملك لله تعالى، فلم يأخذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية، ومعنى: ( وَلَهُ مَا أَعْطَى)، أن ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه، بل هو له سبحانه يفعل فيه ما يشاء، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلا تجزعوا، فإن من قبضه قد انقضى أجله المسمى فمحال تأخره أو تقدمه عنه، فإذا علمتم هذا كله، فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم} [الأذكار النووية للإمام النووي (1/ 214)].

صيغ التعزية:

التعزية تحدث بأي لفظ ليس فيه مخالفة شرعية، وهي تختلف باختلاف الميت والمعزَّى، وتختلف في حال الإسلام وحال الكفر.

فيقال في تعزية المسلم بالمسلم: {أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك}، أو {أحسن الله العزاء، وجبر الله الكسر، ورحم الله المتوفى}، أو {أحسن الله عزاءكم وغفر لميتكم، أو أجاركم الله في مصيبتكم وأخلف عليكم خيراً منها}.

ويقال في تعزية المسلم بالكافر: {أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك}؛ ولا يترحَّم ولا يدعو للكافر.

تعزية الكافر بالمسلم: {أحسن الله عزاءك، وغفر لميتك}.

تعزية الكافر بالكافر: {أخلف الله عليك}.

الحكمة من التعزية:

1- تهوين المصيبة على المعزى، وتسليته، والدعاء بأن يعوضه الله - تعالى -عن مصابه.

2- الدعاء للميت، والترحم عليه.

3- نهي أهل الميت عن الوقوع في المحرمات والبدع.

لمن تكون التعزية:

يستحب أن تكون التعزية لأهل المصيبة جميعهم بلا استثناء، كبارهم وصغارهم، ذكورهم وإناثهم إلا الصبي غير المميز، ولا يعزي الرجل المرأة الشابة إلا إذا كانت من محارمه؛ خشية الفتنة، قال النووي-رحمه الله-: «ويستحبّ أن يعمَّ بالتعزية جميعَ أهل الميت، وأقاربه الكبار والصغار، والرجال والنساء، إلا أن تكون امرأةً شابّةً فلا يعزّيها إلا محارمُها» [الأذكار النووية للإمام النووي (1/ 213)]

وقت التعزية:

تجوز التعزية في كل وقت قبل الدفن، وبعده لكن الأفضل أن تكون التعزية بعد الدفن؛ لأن أهل الميت قبل الدفن مشغولون بتجهيزه، قال النووي- رحمه الله-: «قال أصحابنا: التعزية بعد الدفن أفضل منها قبله، لأن أهل الميت مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، هذا إذا لم يرَ منهم جزعاً شديداً، فإن رآه قدّم التعزية ليسكِّنهم، واللّه تعالى أعلم». [الأذكار النووية للإمام النووي (1/ 212)].

مكروهات العزاء:

يكره الجلوس للعزاء، لكن لو اجتمع المعزون وأهل الميت في بيت فلا حرج، ولو ألقى بعض الدعاة موعظة؛ ليستفيد الحاضرون بها فلا حرج على أن يكون متمرسا في الخطابة والوعظ، يعرف أدب الوعظ وفنونه، وحسن الاستهلال والبدء والختام والمناسبة إلى غير ذلك من فقه، ولا ينبغي للجاهل أن يلقي على الناس المواعظ، ولا لمن لا يجيد فقه المناسبات حتى لا يحدث إزعاجًا للمصابين.

آخر وقت التعزية:

ولا أمد للتعزية، وليس لها وقت انتهاء، فمتى علم بالميت، ورأى أن التعزية مناسبة فعلها، وقد كره بعض الفقهاء التعزية بعد ثلاثة أيام، إلا أن الصحيح أنه لا أمد لتعزية. والحمد لله رب العالمين. 

                              الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية