الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | فضل صلاة أربع ركعات بعد العشاء

اليوم : الأحد 26 شوَّال 1445 هـ – 05 مايو 2024م
ابحث في الموقع

فضل صلاة أربع ركعات بعد العشاء

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما-، قَالَ: «بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلّى الله عليه وسلم- وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ: «نَامَ الغُلَيِّمُ» أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ، حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ أَوْ خَطِيطَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» [رواه البخاري ومسلم].

فثبت بهذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى أربع ركعات بعد العشاء في بيته.

وجاء في بعض الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان يداوم على هذه الأربع الركعات، لكن هذه الأحاديث ضعيفة، من ذلك ما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضيَ اللهُ عنها- أنها قالت: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ قَطُّ، فَدَخَلَ عَلَيَّ إِلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» [رواه أبوداود بسند ضعيف].

وورد في فضل صلاة الأربع الركعات بعد العشاء بضعة أحاديث مرفوعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، كلُّها لا تصح عنه عليه الصلاة والسلام، ومن هذه الأحاديث:

1-  عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله -عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، كَانَ كَعِدْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» [رواه الطبراني بسند ضعيف].

2-  عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ كَعِدْلِهِنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَعِدْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» [رواه الطبراني بسند ضعيف].

3-  عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضيَ اللهُ عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ بِهِنَّ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ كُنَّ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» [رواه الطبراني بسند ضعيف].

وجاء في أخبار السلف -رحمهم الله- أنهم كانوا يحافظون على هذه الأربع الركعات، وجاء في الآثار الصحيحة عنهم ما يدل على عملهم بهذه السنة، ومعرفة فضلها، وأنهم كانوا يحثون الناس على هذه الركعات، كما جاء في الآثار الصحيحة الموقوفة عليهم، ومن هذه الآثار ما يأتي:

1-  عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: {أَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ يَعْدِلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح].

2-  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضيَ اللهُ عنه-، قَالَ: {مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ كُنَّ كَقَدْرِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح].

3-  عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضيَ اللهُ عنه-، قَالَ: {مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ عُدِلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح].

4-  عَنْ مُجَاهِدٍ -رحمه الله-، قَالَ: {أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ يَكُنَّ بِمَنْزِلَتِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح].

وهناك غير ما ذكرتُ من الآثار، أخرجها ابن أبي شيبة وغيرُه، تركتُها للاختصار، وهذه الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، وإن كانت موقوفة عليهم، إلا أنها تأخذ حكم المرفوع،  فإن قول الصحابي الذي لا مجال فيه للاجتهاد، يأخذ حكم الرفع، قال ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-:  {مثالُ المرفوعِ مِن القولِ حُكْماً لا تَصْريحاً: أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ  الَّذي لم يأْخُذْ عَنِ الإِسرائيليَّاتِ، ما لا مجالَ للاجْتِهادِ فيهِ، ولا لهُ  تعلُّقٌ ببيانِ لُغةٍ أَو شرحِ غريبٍ؛ كالإِخْبارِ عنِ الأمورِ الماضيةِ مِن بدْءِ الخَلْقِ، وأَخْبارِ الأنبياءِ-عليهم الصلاة والسلام-، أَو الآتيةِ كالملاحمِ والفِتَنِ، وأَحوالِ يومِ القيامةِ، وكذا الإِخْبارُ عمَّا يحْصُلُ بفِعْلِهِ ثوابٌ مَخْصوصٌ، أَو عِقابٌ مَخْصوصٌ} [نزهة النظر (ص: 132)].

وخلاصة القول في حكم صلاة أربع ركعات بعد العشاء وفضلها، إن هذه الصلاة مشروعة، وثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن عباس -رضيَ اللهُ عنهما-، والأحاديث الواردة في فضلها لم تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما ثبت في فضلها من أخبار، فهو موقوف على بعض الصحابة والتابعين، وهو مما يأخذ حكم المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو كاف في بيان فضلها، وسواء ثبت في فضلها حديث خاص، أم لم يثبت، فهي تُعَدُّ مِن قيام الليل، وقد جاء في فضله كثيرٌ من اﻵيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة. والله أعلى وأعلم.

                           الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية