الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | شؤم المعصية وأسبابها وكيفية التوبة منها

اليوم : الأحد 26 شوَّال 1445 هـ – 05 مايو 2024م
ابحث في الموقع

شؤم المعصية وأسبابها وكيفية التوبة منها

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد،

فالمعصية والعِصيان: مخالفة الأمر، وهي خلاف الطاعة، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].

 والمعصية شر على صاحبها، تهلك النفس، وتَقسو القلب، وهي موضع سخط الله على مرتكبها.

وإن لذنوب الإنسان وخطاياه شؤمًا، يظهر عليه في بدنه، وعافيته، ووجهه، ورزقه، يقول عبد الله بن عباس -رضيَ اللهُ عنهما-: {إِنّ َلِلسَّيِّئَةِ سَوَادًا فِي الْوَجْهِ، وَظُلْمَةً فِي الْقَبْرِ وَالْقَلْبِ، وَوَهْنًا فِي الْبَدَنِ، وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ، وَبُغْضَةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ} [الوابل الصيب (ص: 48)].

وأسباب المعصية كثيرة من أهمها:

1-  تحقير المعصية واستصغارها فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ رواه أحمد بسند حسن لغيره.

وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ رواه البخاري رقم 6308(8/ 68)

وقال بلال بن سعد: لا تنظر إلى صِغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت!

2-  التساهل في الدين والتوسّع في فعل المشتبهات فهو يضعف في النفس استعظام المعاصي.

3-  مجالسة الأشرار فإن الطباع تعدي ولا بد من مجالسة الأخيار فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه فصحبة الأخيار ومجالستهم يشجع على الطاعة مما يقي المرء - بإذن الله - من المعاصي.

4-  الغفلة عن ذكر الله فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ رواه مسلم

والإنسان يخطئ ويصيب وينسى ويذكر والله يتوب على من يشاء.

أثر المعصية على صاحبها

1-  حرمان العلم الشرعي: ولما جلس الشافعي بين يدي الإمام مالك وقرأ عليه، أعجبه ما رأى من نور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.

حرمان الرزق وتعسير الأمور: فعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلَا يُرَدُّ الْقَدْرُ إِلَّا بِالدُّعَاءِ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ». رواه ابن حبان رقم 872 (3/ 153) وحسنه الأرنؤوط.

وإن الله ييسر أمور عباده الصالحين كما قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال:(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] [الطلاق:3،2].

2-  المعيشة الضنك في الدنيا والعذاب في الآخرة: قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:124]

3-  إنها سبب لهوان العبد على ربه: قال الله تعالى: (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ )[الحج:18].

وعلى المسلم أن يتوب إليه سبحانه ويعاهد الله على ذلك.

وإذا عاهد المسلم ربه أن يتوب من الذنب فلا ينبغي أن يعود إليه وإلا كان ناقضا للعهد.

ومن رحمة الله علينا أن الله تعالى عفو غفور وإذا أذنب العبد ذنبا فما عليه إلا أن يتوب إلى الله تعالى حيث يقول الله تعالى: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) } سورة النساء.

ومن حلف أو عاهد الله أن يتوب من ذنب ثم رجع إليه فقد أثم وعليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين إطعاما وسطا فمن عجز صام ثلاثة أيام متتاليات وهو أفضل من المتفرقات.

وهل تقبل صلاتنا ونحن نعصي الله نعم والأصل في المسلم أن يطيع الله لكنه قد يخطئ فعليه بالتوبة ولا أحد معصوم لذا ينبغي على المسلم أن يتعهد نفسه وإذا كان يصلي وارتكب ذنبا فإن صلاته صحيحة ويحاسب على ذنبه وإذا تاب تاب الله عليه.

والمعاصي كثيرة ومتنوعة: منها كِبائر ومنها صغائر؛ قال –الله تعالى -: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31]، وقال – الله تعالى -: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [النجم: 32].

وعن أَبِي بَكْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ - أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ»، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. رواه البخاري رقم 88(3/ 172)

وهل المعصية تعيق استجابة الدعاء كلا والله تعالى يستجيب لمن يشاء، ولا يمنعه من استجابة دعاء العبد كثرة ذنوبه، قال سفيان بن عيينة: لا يمنعنّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ قال: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الحجر:36-37].

وكيفية تخلص الإنسان من الذنوب يكون بأمور منها:

1-           الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع.

2-           مجاهدة النفس، وتزكيتها بطاعة الله، قال الله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/7 – 10

3-           استشعار مراقبة الله تعالى، وأنه رقيب، ومطلع على المسلم في كل حال.

4-           أن يتخيل المسلم من يجلهم، ويحترمهم، ينظرون إليه وهو يفعل ذلك الذنب.

4-  تذكر الموت.

5-  تذكر ما أعده الله لعباده الصالحين، قال الله تعالى: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فصلت 40 .

وهناك طرق للابتعاد عن المعاصي منها:

1-  النية الخالصة.

2-  سؤال الله سبحانه وتعالى التثبيت.

3-  الاستعانة بالله عزَّ وجلّ، والتّوكل عليه.

4-  المُداومة على الفرائض.

5-  اتّخاذ رفقة صالحة تُعينه على الخير.

6-  الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبُّر آياته.

7-  استحضار ضرر المعصية وسوء عاقبتها في الدّين والدّنيا والآخرة.

وهكذا فإن الإنسان يعصي ربه والله يتوب على من تاب ورحمة ربي قريب من المحسنين.

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 


الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية