الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | حكم ترك الأظفار وشعر الرأس وغيره في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي

اليوم : الجمعة 19 رمضان 1445 هـ – 29 مارس 2024م
ابحث في الموقع

حكم ترك الأظفار وشعر الرأس وغيره في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد،

فإذا أهل هلال ذي الحجة، فليس لمن أراد التضحية أن يأخذ من شعره وأظفاره، حتى يذبح أضحيته؛ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: {إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا}. [رواه مسلم (3/ 1565) رقم 1977].

وفي رواية عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ، قَالَ: {إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَعِنْدَهُ أُضْحِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا} [رواه مسلم (3/ 1565) رقم 1977]

وفي رواية أخرى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: {إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ} [رواه مسلم (3/ 1565) رقم 1977]

 وفي رواية رابعة عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قال: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ}. [رواه مسلم (3/ 1566) رقم 1977]

قال النووي -رحمه الله-: {والمراد بالنهي عن الحلق والقلم، المنع من إزالة الظفر بقلم، أو كسر، أو غيره، والمنع من إزالة الشعر بحلق، أو تقصير، أو نتف، أو إحراق، أو بنورة، وسواء شعر العانة، والإبط، والشارب، وغير ذلك} [المجموع: النووي (8/ 392)].

والحكمة من ذلك أن المضحي لما شارك الحاج في بعض الأعمال، وهو ذبح القربان، وهو ما يتقرب به إلى الله، شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر وتقليم الأظفار.

والحكمة من ذلك أيضاً أن تعم المغفرة جميع بدنه، قال النووي-رحمه الله- {والحكمة في النهى أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار} [شرح النووي على مسلم (13/ 139)].

أما حكم المسألة: فقد اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة أقوال:

 القول الأول- يحرم على المضحي أخذ شيء من شعره، وأظفاره حتى يضحي، ذهب إلى هذا القول سعيد بن المسيب، وأحمد، والظاهرية، وغيرهم، واستدلوا بحديث أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: {إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا}. [رواه مسلم (3/ 1565) رقم 1977].

وجه الدلالة: فلا يمس نهي يفيد التحريم قال ابن قدامة: {ظاهر هذا تحريم قص الشعر} [المغني (21/ 452)].

وقال ابن القيم: {أسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره لصحته، وعدم ما يعارضه} [شرح ابن القيم على سنن أبي داود 7/348].

قال المرداوي: {لو خالف وفعل فليس عليه إلا التوبة ولا فدية عليه إجماعاً} [الإنصاف (4/ 80)]، ومن باب أولى إذا فعله ناسيا،ً أو جاهلاً، أو مضطراً.

القول الثاني-الأخذ من الشعر والأظفار مكروه للمضحي، ذهب إلى هذا القول المالكية، والشافعية، وبعض الحنابلة واستدلوا بحديث أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: {إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا}. [رواه مسلم (3/ 1565) رقم 1977].

وجه الدلالة: فلا يمس من شعره فهو نهي مصروف عن حقيقته إلى الكراهة والصارف من التحريم إلى الكراهة، حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: {لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ} [رواه البخاري (7/102) رقم 5566].

وجه الدلالة: قولها فلا يحرم عليه: دليل على عدم حرمة قص الأظفار والشعور وغيرها لصاحب الهدي والمضحي مثله قال الشافعي: {البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية، فدل على أنه لا يحرم ذلك} [المجموع (8/ 286)].

وقال الماوردي -رحمه الله – {وحكمها(الهدي) أغلظ لسوقها إلى الحرم، فلما لم يحرم على نفسه شيئا كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم؛ فنحمل الأمر به (حديث أم سلمة) على السنة والاستحباب دون الإيجاب} [الحاوي الكبير (15/ 74)].

وقال الشوكاني -رحمه الله-: {واحتج الشافعي بحديث عائشة المتقدم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- {كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ}، فجعل هذا الحديث مقتضيا لحمل حديث {إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا} على كراهة التنزيه، ولا يخفى أن حديث الباب أخص منه مطلقا، فيبنى العام على الخاص، ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم، ولكن على من أراد التضحية} [نيل الأوطار (8/ 107)].

القول الثالث- يباح أخذ الشعر والظفر للمضحي ولا يكره؛ ذهب إلى هذا القول الحنفية، ومالك في رواية واستدلوا بأن المضحي محل، فلم يكره له أخذ شعره وبشره كغير المضحي، ولأن من لم يحرم عليه الطيب واللباس، والجماع لم يحرم عليه حلق الشعر.

 قال القدوري الحنفي: {تحريم الجماع في الإحرام أغلظ من تحريم غيره، فإذا كان تعيين الأضحية لا يمنع الوطء، فأولى ألا يمنع الحلق} [التجريد للقدوري (12/ 6345)].

القول الراجح:

من كان قادرا أن يوفر أظفاره وشعوره فالأفضل التوفير وإن أخذ منها فلا حرج لأن الأضحية في حد ذاتها سنة كذا توفير الشعر والأظفار. والله أعلى وأعلم.

                                الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية