الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | الإسراء والمعراج دروس وعبر

اليوم : السبت 18 شوَّال 1445 هـ – 27 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

الإسراء والمعراج دروس وعبر

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فتولد المنح من رحم المحن، ويأتي اليسر بعد العسر، وقد تعرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمحن كثيرة، وصبر وكان عاقبة أمره خيرا.

فقد مات عم النبي ـ صلى الله عليه وسلم وزوجه الحنون وحوصر بعد ذلك ثلاث سنين في الشِعب، ولقي ما لقي من بلاء ثم جاءت رحلة الإسراء والمعراج منحة من الله تعالى،

والإسراء: الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والمعراج فهو الصعود إلى السماوات العلى وما فوقها قال الله تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (الإسراء:1)، وقال الله تعالى: { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } (النجم 18:12)..

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ..... رواه مسلم

وبعد أن انتهت رحلته السماوية رجع صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس مرة ثانية، وعاد إلى مكة تحفه الرحمة والسكينة ويغمره الرضا والطمأنينة ورأى من الآيات ما رأى.

وتبين هذه الرحلة بعض خصائص الإسلام وهي الفطرة، حيث اختيار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن على الخمر، قال الله تعالى :{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } (الروم:30).

وظهرت شجاعته صلى الله عليه وسلم في الجهر بالحق.

وظهرت أهمية المسجد الأقصى في هذه الرحلة بالنسبة للمسلمين، فهو مَسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلى، والقبلة الأولى التي صلى المسلمون إليها فترة من الزمن، وتشد الرحال إليه بعد المسجدين فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصى. رواه البخاري.

وفي هذا توجيه للمسلمين أن يعرفوا فضل هذا المسجد وفضل هذا البلد، ويعملوا على تحريره والمحافظة عليه

ويظهر من خلال هذه الرحلة أهمية الصلاة، فلأهميتها وفضلها فرضت في السماء وهي من آخر ما أوصى به صلى الله عليه وسلم قبل موته.

وقد كانت رحلة الإسراء والمعراج معجزة حارت فيها العقول، وكانت بالروح والجسد، أو كانت مناما، لكن الذي عليه  جمهور المسلمين من السلف والخلف أنها كانت بالجسد والروح، كما ذكر جمهور أهل العلم قال ابن حجر: إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة، في اليقظة بجسده وروحه صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب جمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله، حتى يحتاج إلى تأويل .

وهذه بعض الدروس من رحلتي الإسراء والمعراج

1-  ربط مهبط الرسالات بالأرض والسماء فقد بدأت رحلة الإسراء من مكة مرورا بفلسطين ومنها إلى السموات العلى مما يدل على أهمية فلسطين وفضل أهلها الموحدين.

2-  الإسلام دين الهداية والفطرة، فعندما قدم جبريل عليه السلام اللبن والخمر اختار اللبن فقال له: 'هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ'.

‏ قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[الروم: 30].

3-  التأييد الإلهي فلما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم  قومه بخبر الإسراء، كذَّبوه وشككوا في قوله، وتحدوه أن يثبت صدقه إن كان صادقًا، وراحوا يسألونه: صِفْ لنا بيت المقدس. قال : 'دخلت فيه ليلاً وخرجت منه ليلاً'. وحينئذٍ أتاه جبريل بصورته، فجعل ينظر إليه ويخبرهم

4-  الاطلاع على قدرة الله، فالإسراء آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تحصى، وقد أثار كفار قريش حوله جدلاً طويلاً، وتساؤلات كثيرة.

5-  فضل الصلاة وأهميتها، فقد فرضت الصلاة في السماء السابعة، وفرضيتها في السماء دليل على أهمية هذه الرحلة العظيمة وأهمية الصلاة.

6-  الاطلاع على بدائع صنع الله.

7-  الإسراء والمعراج معجزة عظيمة من معجزاته، فقد أكرم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم برحلة أرضية وأخرى سماوية شاهد فيهما من الآيات الباهرات، ووصل  إلى أن سمع كلام الله تعالى؛ تثبيتًا لفؤاده، ورضا عنه.

8-  عموم رسالته، فقد أمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالأنبياء في بيت المقدس، وفي ذلك دلالة على أن الإسلام عالمي الرسالة كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

9-  فضل بنينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث وصل في الرحلة إلى قاب قوسين أو أدنى.

10-                      شجاعة الرسول، فعندما أخبر قريشا برحلته إلى بيت المقدس وكذبوه ولم يتردد ولم يتراجع ولم يشك بل ثبت على يقينه.

وستظل معجزة الإسراء والمعراج مدرسة يستفيد منها المسلمون في كل وقت وحين

وهكذا فالإسراء والمعراج معجزة عظيمة حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يتزود المسلمون منها العبرة والعظة وأن تكون نبراسا لهم في الدنيا والآخرة

                                    الشيخ: عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية