الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | الدعاء وتأخر الإجابة

اليوم : الخميس 8 ذو القعدة 1445 هـ – 16 مايو 2024م
ابحث في الموقع

الدعاء وتأخر الإجابة

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فقد كان عمر - رضي الله عنه - يقول: ' أنا لا أَحْمِلُ هَمَّ الإجابة، لَكِنْ أَحْمِلُ هَمَّ الدُّعاء'.

وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى - في كتابه ' الدَّاءُ والدَّواءُ ': ' والأدعيةُ والتَّعوُّذاتُ بمنزلة السِّلاح، والسِّلاحُ بضارِبِهِ، لا بِحَدِّهِ فقط. فمتى كان السِّلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفةَ به، والسَّاعِدُ سَاعِدٌ قويٌّ، والمانعُ مفقودٌ؛ حَصَلَتْ به النِّكاية في العدوِّ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثيرُ'.

ومن الأسباب المعينة على تحقيق الإجابة:

1 - الإخلاص في الدعاء، وهو الاعتقاد الجازم بأنَّ الله عزَّ وجلَّ - هو القادر على الإجابة

قال سبحانه: ' وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ' [الأعراف: 29]،

2 - التَّوبة النصوح، والرجوع إلى الله تعالى؛ فإنَّ المعاصيَ تحجب الدُّعاء؛ قال اللهُ تعالى على لسان نوح عليه السلام: ' فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ' [نوح: 10 - 12]،

3 - التضرُّعُ والتذلُّلُ، قال الله تعالى: ' ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ' [الأعراف: 55].

4- استقبال القِبْلَة، والدُّعاء حال الطهارة، واستفتاح الدُّعاء بالثَّناء على الله تعالى، والصلاةِ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم.

5 - الإلحاح في الدعاء وعدم الملل؛ فعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم: 'كان يُعْجِبُهُ أن يَدْعُوَ ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً'؛ رواه أبو داود والنَّسائيُّ.

6- تجنب الاستعجال، فإنه من آفات الدعاء التي تمنع قبول الدعاء فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي. رواه البخاري

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ'. رواه مسلم.

7- تحري الأوقات الفاضلة كوقت السَّحَر، والثُّلُث الآخر من الليل، وآخر ساعةٍ من يوم الجمعة ووقتُ نزول المطر، وبين الأذان والإقامة.

8- تحري الأماكن الفاضلة كالمساجد، وخاصة المسجد الحرام.

9- التَعَرف إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ؛ قال - صلى الله عليه وسلم - : ' تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ '. رواه أحمد.

واعلم أنَّ الدعاء يأخذ أشكالا ثلاثة:

1-      أن يستجيب الله للداعي في الدُّنيا.

2-      أن يدفع الله بهذا الدُّعاء بلاءً عنه؛ فإن الدعاء صاعدٌ، والبلاء نازلٌ، فيتصارعان، فيَصْرَع الدُّعاءُ البلاءَ.

3-      أن يؤخر الله للداعي تلك الدَّعوة في الآخرة.

ومع الأخذ بالأسباب يستجاب الدعاء وقد يتأخر لحكمة يعلمها الله واختيار الله لعبده خير من اختيار العبد لنفسه ورب ضارة نافعة وصدق الله {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة: 216]. والله أعلى وأعلم.

                       الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية